حرص الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أثناء تعامله اللطيف مع الأطفال على احترامه لنفوسهم وذواتهم، وحرصه على توصيل أفضل المفاهيم إليهم بأبسط الوسائل وأقومها، ولا يعنفهم، فيحكي لنا أحد الأطفال هذا الموقف له مع محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو عبد الله بن عامر فيقول: «دعتني أمي ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: هَا تعالَ أعطيك، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما أردت أن تعطيه ؟ قالت: أعطيه تمرًا. فقال لها: «أما إنك لو لم تعطه شيئًا لكُتبت عليك كذبة».([10])
فهو يحذرها من أن تكذب على الصبي أو تستهين بمشاعره، ولو أن تقول له تعال أعطيك شيئًا، ثم لا تفعل.
وحين يرى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الأطفال ما يستوجب التقويم والتعديل، فإنه يتعامل معهم برفق دون تأنيب أو صراخ، يقول عمر بن أبي سلمة: «كنت غلامًا في حِجْر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة؛ فعلَّمه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رفق ولين كيف يأكل فقال له: «يا غلام سم الله، وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك».([11])
كما حاول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يربي الأطفال عبر تعاليمه وسلوكه على معاني الرجولة والمروءة منذ صغرهم، فكان يعطي الأطفال جرعات متدرجة من تلك المعاني عبر المواقف المتناثرة والمتفرقة، فكان ربما أجلس بعض الغلمان كعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر في مجلسه ومع أصحابه ليتعلموا وينضجوا، فيحكي عبد الله بن عمر فيقول: كنا عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأُتِي بجُمَّار، فقال: إن من الشجر شجرةً مثلها كمثل المسلم، فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكتُّ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «هي النخلة».([12])
وعلَّم عبد الله بن عباس وهو غلام صغير كان يردفه خلفه على دابته معانٍ عظيمة بكلمات بسيطة مفهومة، فقال له: «يا غلام احفظ الله يحفظك...» إلى آخر الحديث.([13])
بل يذهب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في تقديره للأطفال مذهبًا بعيدًا في مجتمع كان لا يقيم للصغار وزنًا، فيجلس أحدهم إلى يمينه، وهذا يجعله أحق بالتقديم من كبار القوم، يقول سهل بن سعد الساعدي: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أُتِي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا».([14])
لقد راعى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم الأمرين معًا، راعى حق الطفل واستأذنه، وراعى حق الكبار فطلب من الصغير أن يتنازل لهم، فلما أصرَّ على موقفه، لم يعاتبه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو يعنفه، بل أعطاه حقه.
[quote]