الاعتدال في التربية
قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)
وهنا كانت البداية : إن مباديء الاعتدال من تعاليم ديننا الإسلامي القويم, فالدين الإسلامي وهو دين الفطرة إنما يقوم على (الوسطية و العدل) لا تفريط و لا إفراط...
و في مجال التربية نقول: إن الإسراف في التدليل يعطل ويفسد , و القسوة تحبط و تهلك , و الإهمال ينحرف بالطفل عن جادة الطريق السوي, و قلق الوالدين على أطفالهما إذا تجاوز حد المعقول إنما ينقص من شعورهم بالثقة بالنفس و يزيد من توتر أعصابهم فتشرد أذهانهم ولا يقوون على التحصيل....
ومن ثم يعجزون عن مواجهة الحياة العملية بثقة و اعتداد و إقدام وكفاءة.
يجنح بعض الآباء إلى تربية الأطفال على مقتضى رغبة الآباء أو أهوائهم الذاتية و في هذه الحالة يكون الطفل في اعتبار ما يملكون من ماديات ومتاع وقد تقل درجة اعتباره لديهم على قلة و كثرة عواطفهم...ومن المحقق أنه كلما زاد ولعهم بالمنافع المادية كلما قلت قيمة الأطفال في نظرهم وجفت ينابيع المحبة و الحنان في قلوبهم.... فإذا شب الطفل عاش خاضعاً لإرادة والديه متجرداً من كل إرادة و الفكر ينقاد مع الاعتياد إلى الاستسلام و الإرادة النفسية إلى الضعف فالزوال؛ فلا ينشأ إلا على ما شاء والدية مسلوباً كل مزايا الإنسان العاقل الحر , وربما كانت السلطة في يد من لا خلاق لهم فيكونون سببا في إفساد تربية الابن و في نشأته على غير مقتضيات الدين أو صالح المجتمع .....وهذا هو الظلم و التعسف في التربية.
إن إهدار قدرات الطفل و طاقاته و مواهبه و ملكاته الذاتية , و حرمانه من النشوء على الحرية في التفكير و التعبير في نطاق القيم الدينية السامية و مباديء الاعتدال... من اشد الأضرار . و التربية التي يكون أساسها القهر و الكبت كثيراً ما تؤدي إلى ثورة النفوس و تمردها وإلى توليد مشاعر الحقد و الكراهية و الانتقام وقد يولد هذا المناخ الرياء و النفاق و المهانة و الهوان ...فماذا تكون ثمار هذا اللون من التربية غير الفساد و انحلال الأسرة؟!
يتابع بإذن الله
وهناك نوع آخر من التربية التي تكون على مقتضى أهواء الأطفال الذاتية :
وهده التربية هي عكس سابقتها فيترك الطفل على هوى نفسه و هنا يكون التدليل أساس الإفساد ... و قد لا يلاحظ أحد ما ينتج من ذلك التدليل من صلابة الرأي و العناد والأنانية و عدم الاحترام و القسوة إلا بعد فوات الأوان و ضياع فرصة الإصلاح و التقويم – فيكون هذا مدعاة لفساد خلق الطفل و عدم مبالاته بأولياء امره و هذا لون من التربية سيء ومعيب...بل تلك تربية تقوي في النفس الميول الشهوانية و حب الظلم و الاستبداد و التسلط و الانحلال... ثم في نهاية المطاف الضياع.
إذن.. ما هي التربية الصحيحة و السليمة؟
سؤال لا شك يدور في الخواطر و الأذهان و يقلق الآباء و المربين و يفرض نفسه بين الحين والحين الآخر.
- ليس في أساليب التربية أعظم من الاعتدال و الوسطية و البساطة لأنها يؤدي بالطفل إلى اكتساب صفات محمودة كالقناعة و التواضع و الاستقامة و الصدق و الأمانة – كما أن الاعتدال كأسلوب تربوي يقوي الروابط بين أفراد الأسرة و يدعم العلاقات الاجتماعية كما أن أثره فعال في مجال تقويم الأخلاق وتهيئة الطمأنينة و نبذ الأحقاد فيسود بذلك التعاون و التآخي في الأسرة و المدرسة و المجتمع و الحاضر و المستقبل بإذن الله.
- وإذا كانت مباديء الاعتدال تؤدي بالأمم التي تأخذ بها في صدق و إخلاص إلى مقام عال من الرقى و الازدهار... فما بالنا بالأمة الإسلامية العريقة ذات الأصالة الراسخة و التراث الثري؟
لنا حضارة في الماضي نهلت من منابعها كل الأمم نوراً هادياً , ونملك في الحاضر إمكانات بشرية ضخمة و ثروات طائلة ومبادئ دينية راسخة .. فما أحوجنا إلى الاعتدال في التربية و بين أحضاننا وفي أعناقنا ملايين الأطفال .. رجال المستقبل و آماله .. و حماة الدين و دعاته ...سائلاً الله أن ينفع بهم , و الله من وراء القصد , و الحمد لله رب العالمين