قراءة نقدية في مناهجنا التعليمية )(1)
بقلم الأستاذ / محمد الصلاحي مقدمة
بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أقول : لما شرعت في قراءة كتب اللغة العربية المقررة على المتعلمين في التعليم العام في مدارس الجمهوريه اليمنية وجهتني مشاكل كبيرة وكثيرة ومتنوعة : منها ما يتعلق بالمادة العلمية ومنها ما يتعلق بالجانب الفني ومنها ما يتعلق بالجانب المنهجي ومنها ما يتعلق بالجانب الشكلي وحالما بدأت اترصد تلك المشكلات واحدة بعد الاخرى انداح البحث وتشعبت فروعة وتكررت الغلطات والسقطات في معظم الكتب المقررة تقريبا ، ثم هداني تكرر تلك المشكلات الى النظر والتعمق في وحدة واحدة فقط .من كتاب (لغتي العربية )للصف التاسع ، الجزء الاول من مجال الصحة والبيئة ( الوحدة الثانية ) وصرت اترصد موضع الزلل ولتجاوزات في محتوى تلك الوحدة المقررة ـ وكان هذا بالنسبة لي فتحا مينا ، اذ من خالا ذلك استطعت ان اقدم نموذجا واضحا لتلك الاخطاء ، معتقدا أنها قد تكون بمثابة مؤشر عام لمجمل الملاحظات التي وجدتها في باقي الكتب المقررة على طلاب مدارس التعليم العام ..مع أمكانية وجود هذه الاخطاء في باقي المواد بصفة عامة ..ودفعني هذا الفعل الى الاعتقاد بأن ذلك سيسهل لي تناول الملاحظات وسيسهل على المسئولين ايضا الإطلاع على حجم الكارثة .. وربما يحرضهم على اتخاذ فعل التصحيح أن رأوا ذلك ..
أقول في منتهى التقديم لعلي قد وفقت في طرح ملاحظاتي بسر وسهولة امام المعنيين ..فإن كان ذلك صحيحا فبحمد الله ، وان كان غير ذلك فحسبي اني اجتهدت .
المظاهر العامة
في مفتتح الحديث أقول أن ما تم رصده من مشكلات علمية وفنية ومنهجية وشكلية في الوحدة التعليمية المشار اليها ليس بالضرورة توافره بالكيفية والصورة نفسها في جميع المقررات الدراسية في جميع المراحل لكن تلك الملاحظات قد تتفاوت من وحدة الى وحدة ومن كتاب الى كتاب ومن فرع الى فرح ومن مرحلة الى اخرى .. لكنها على كل حال شكلت ظاهرة عامة يمكن متابعتها بسهولة واكتشافها بيسر ،إذ تبدت لي هذه الظاهرة من خلال قرآتي العميقة بنسبة مرتفعة يمكن للمهتم ادراكها ان بذل جهدا مناسبا .. لكني كمهتم ما استطعت ان اغض الطرف عنها ..وبدأت العمل بجد ثم خرجت من نواتج تلك القراءة بما سطرته في هذه الوريقات :
أولا : الملاحظات العامة
بعد تتبعي لمفردات مادة اللغة العربية في مراحل التعليم العام ..استطعت أن أقيد جملة من تلك الملاحظة التي تخص اللغة العربية .. وربما تنسحب بعض الملاحظات وتنطبق على بعض المواد الاخرى .. لكنني لست متأكدا تماما من صحة استنتاجاتي على المواد الأخرى , وعلى اية حال لن استطرد كثيرا خارج الموضوع وسأدون تلك الملاحظات التي استلهمتها من نواتج القراءة فيما يأتي :
- في دروس النصوص الادبية بأجناسها المختلفة غابت اليمن بحضارتها وتاريخاها وتراثها وثقافتها وأدبها شعرا ونثرا غيابا كليا نصوصا وأشخاصا ، واستبدل كل ذلك بدراسة أدب الحجاز واليمامة والطائف والبحرين والعراق والشام ومصر والأندلس .وأغفل التاريخ الدبي لليمن مع علو شأنه في جميع العصور .
- سيطر الادب القديم بأنواعه وأشكاله و اجناسه منذ العصر الجاهلي وحتى ما بعد عصر النهضة الادبية العربية على ما يتجاوز الـ80% من المقرر الدراسي في مادة اللغة العربية وفروعها . وما تبقى من تلك النسبة للأدب الحديث .
- تربع الشعر العربي بصفته احد فروع الادب على مساحة تفوق ما نسبته 90% من حجم المادة تاركا لبقية الاجناس 10% فقط رغم كثرتها الكاثرة ( قصة – رواية مسرح – خطب – رسائل – توقيعات – حكم وأقوال – أمثال عربية – اساطير وخرافات - بلاغة – علم اللغة – علم الدلالة - تأريخ أدب – نظريات نقدية – مدارس ادبية – مناهج تحليل - مناهج نقدية - ..)
- التركيز على شعراء وكتاب بعينهم وتكرار نصوصهم في كثير من الصفوف في المرحلتين ( الاساسي – الثانوي ) وقد لاحظت ذلك في نصوص للمتنبي والمعري وأبو تمام واحمد شوقي وأبو العلاء المعري .. وتجاهل من يناظرونهم ابداعا وتجويدا
- الاصرار على تدريس نظريات ورؤى ومناهج ومدارس تجاوزها البحث وتجاهل نظريات ورؤى ومناهج ومدارس حديثة حبا في القديم لقدمه ، وابتعادا عن الجديد لجدته .. ومثال ذلك التجربة الشعرية والأسلوب الذي تجاوزهما البحث على حساب الشعرية والأدبية والسردية ..
- التجاهل التام للحداثة وما بعد الحداثة وكأننا نريد من اجيالنا القادمة ان تعيش الماضي بكل تفاصيله ..وأن ترفض الحداثة جملة وتفصيلا .
- غياب الترابط الافقي والرأسي بين مقرر مادة التاريخ ومقرر مادة اللغة العربية رغم متانة الصلة بين المادتين .
- الذكورية الطاغية في المقرر وغياب المرأة كاتبة وشاعرة وقاصة وروائية وباحثة وناقدة رغم حضورها الأدبي والفكري والثقافي والاجتماعي على امتداد المسار التاريخي .
- عدم الالتفات الى التجارب العلمية والفكرية الاجتماعية والأدبية على مستوى العالم وكأننا نعيش عزلة فكرية ..
- اغفال فن الخط العربي وفنون الرسم والنحت والموسيقى .
- اضطراب واضح في منهجية التأليف ويتضح ذلك من عدم التكامل الرأسي والأفقي والتراتبية الزمانية والمكانية في النصوص المقررة وككذلك على مستوى المقرر الواحد فضلا عن الوحدة الواحدة فمنهجية تأليف نصوص القراءة تختلف عن منهجية دروس النحو والخط والإملاء والتعبير ...
- استخدام نصوص صناعية تعليمية بشكل كبير جدا خصوصا في المرحلة الاساسية وهي تختنق بالغلاط الكتابية والخطاء اللغوية والنحوية والكتابية والمطبعية .. على حساب نصوص جميلة ورائعة تزخر بها مكتباتنا العربية .
- تقديم نصوص ممسوخة جرى عليها البتر والإضافة والتعديل والتصرف والاقتباس و استيلاد نصوص مشوهة وقبيحة ..لا تلتزم الأمانة العلمية ، فلا يشار الى كاتب النص ولا الى اسم الكتاب أو رقم الصفحة أو دار النشر ورقم الطبعة وسنة النشر ومكانه .. وان وجد شيء من ذلك فعلى استحياء وفي بعض الموضوعات دون بعضها الآخر وبشكل مبتور وجزئي لا يستفيد منه باحثا ولا ومعلما ولا طالبا ، ثم يقدم بعد ذلك كله للمتعلمين كوجبة تربوية تعليمية أدبية طازجة وصحية .
- في الغالب تظل اللغة التي تفسر النصوص أو القواعد وتشرحها لغة ركيكة ومبتذلة جدا وبأسلوب تقليدي جدا أيضا تخلق لدى المعلم حالة من عدم الرضا وتخلق لدى الطالب حالة من العصابية لما يرى من تناقضات بين ما يراد منه من تحسين اللغة وما يراه من الواقع اللغوى الذي يتلقى به دروسه وهكذا بحيث تحتاج الى شرح وتفسير .
- لم يستثمر أدب الطفل في مناهجنا التعليمية رغم ان المتعلم الذي نستهدفه هو ذلك الطفل عينه .. وهو في الحقيقة كذلك من لحظة دخوله المدرسة حتى جلوسه على مقاعد اختبار اتمام الشهادة الثانوية .اذا سلمنا بالمقولة التي تعرف الطفل بأنه الذي لم يصل عمره الى الثامنة عشرة سنة .
- اقحام نصوص معينة ليس لها من هدف تربوي على الاطلاق وانما هدفها تمجيد هذا الحاكم او ذاك وبدافع سياسي محض لا علاقة له بالتعليم من قريب ا بعيد .
- الغياب المطلق للدروس المتعلقة بالمصطلحات العلمية والأدبية والنحوية في المقررات الدراسية على اهمية ذلك ،، وأعتقد ان ذلك الغياب يسري على جميع المقررات الدراسية ..
المفردات اللغوية تقدم في كثير من الوحدات الدراسية كما أرادها المشاركون في تأليف المقرر لا كما تشرحها وتفسرها القواميس ومعاجم اللغة والموسوعات العلمية وكتب التفسير .
- لا يوجد في آخر الكتاب المقرر في الغالب مسرد بالمصطلحات الواردة بالمقرر ولا بالمصادر والمراجع التي استقى منها المؤلفون مادتهم العلمية .
-
تنقل الى التطبيق
- الدروس المستقلة في الوحدة لا تفرد لها صفحات مستقلة وإنما تأتي مباشرة عقب الدرس السابق في وسط الصفحة او في اخرها وكان هذا الدرس جزء من السابق .ز
- لا توجد فراغات في صفحات الكتاب لتطبيقات دروس الخط والتعبير والإملاء إلا بصورة نادرة وربما يكتفي بالقول : أكتب في دفترك ما يملى عليك ..
- نصوص القراءة على وجه الخصوص لم تكن نصوص خلاقة ملهمة للمعلم والمتعلم .. وقليلا ما تكون كذلك أم الغالب عليها وكأنها كتبت بعدم رغبة وتحت وطأة القهر .. وربما من باب اسقاط واجب ليس إلا .. فلم تأخذ حقها من الخدمة اللغوية تقنيا وتربويا وتريبا فغابت التدريبات الملهمة للطلاب الجديرة بإكسابهم المهارات القرائية اللازمة .
- مهارتي الخط والإملاء لم تقدم لهما الخدمة اللازمة تنظيرا وتدريبا وتطبيقا وتحليلا وممارسة ، فمثلا ليس هناك دروس عن الخط بصفته فنا راقيا من فنون الحضارة الاسلامية .. وكذلك عن أشهر الخطاطين العرب والمسلمين وأنواع الخطوط ..فلا صور لتلك اللوحات والمقاطع والزخارف والمقاطع الخطية المتنوعة التي أبدعتها ريشة الفنان المسلم ... وقل مثل ذلك عن الاملاء ..
- التعبير على اهميته وبصفته الهدف النهائي الذي تسعى التربية الى تحقيقه كأهم مهارة يتقنها المتعلمون الا أنه مهمل جدا ومقصي جدا وغريب في اخوانه .. فم يحفل به المؤلفون .. فلا محتوى له في الكتب ولا نماذج ولا تدريبات ولا ذكر لمشاهيره ورواده من الخطباء والعلماء والشعراء والمتكلمين والفلاسفة والنقاد ....حتى المعلمين انفسهم لا يتقنون فنونه .. ولذلك تكون دروسه من أكثر الدروس مللا ورتابة وقرفا في أفئدة طلابنا ..
الأسباب
الأسباب ما اكثرها .. وهي معروفة لدى القاصي والداني .ولست بمستطيع حصرها الساعة لضيق الوقت الذي قررت فيه ان أقدم هذه الورقة للمعنيين بالأمر لأكن سأوجز ذلك بسرعة مستسمحا إياكم على كتابتها بالتفصيل ان بقي لي من العمر بقية .. لكن اهم هذه السباب ترجع الى : السياسة التعليمية نفسها القيادات التربوية العليا (تطفيش) المتخصصين وإقصاءهم لأسباب لا داعي لذكرها الآن .. عدم تفاعل المشاركين في تأليف الكتب .. غياب اعتماد معايير المؤلفين للمقررات .. وأخر الأسباب المنفذين الفعليين لكتابة المقررات ..
- النتائج
أما بالنسبة للنتائج التي أوصلتنا اليها هذه المقررات فالمساهمة الفاعلة في انهيار التعليم وأمية المخرجات التعليمية التي هي في احسن الاحوال لا تحسن القراءة والكتابة فضلا عن استيعاب المعارف واكتساب المهارات وتمثل القيم الدينية والوطنية والأخلاقية والاجتماعية .
المعالجات
لدينا معالجات تفصيلية ومقترحات نهضوية وتوصيات تربوية تقدم حلولا علمية وعملية لكل فرع بل لكل مجال بل لكل وحدة بل لكل درس بل لكل هدف على حدة وربما أنتهي من صياغته في وقت لاحق ان شاء الله ليكن بعد ذلك بين يدي المهتمين في القضية