الثقافة التربوية و الثقافة الإعلامية تكامل أم تناقض ؟
الثقافة هي المعبر الحقيقي عما وصلت إليه البشرية من تقدم فكري ، فمن خلالها يتم رسم المفاهيم و التصورات كما يتم رسم القيم و السلوك .
و قد ارتبطت الثقافة بالوجود الإنساني ارتباطاً متلازماً تطور مع الحياة الإنسانية وفقاً لما يقدمه الإنسان من إبداع و إنتاج في شتى المجالات ،فالثقافة هي "المنظومة المعقدة و المتشابكة التي تتضمن اللغات و المعتقدات و المعارف و الفنون و التعليمات و القوانين و الدساتير و المعايير الخلقية و القيم و الأعراف و العادات و التقاليد الاجتماعية و المهارات التي يمتلكها أفراد مجتمع معين" (1) .
و قد وعي الإنسان أهمية الثقافة في تكوين ذلك الوعي فأسس وجودها عبر السنين من خلال التراكم النوعي و الكمي للفعل الثقافي و الإنساني ، فما تركته الثقافات القديمة كالمصرية و الفارسية و الإغريقية يُعدّ صورة واضحة لذلك الفعل الثقافي عبر مراحله وعصوره ، و جاءت الأديان السماوية و التي خُتمت برسالة المصطفى صلى الله عليه و سلم لتعطي هذه الثقافة بُعدها الروحي و تعيدها إلى مكنونها الأخلاقي و تنقيها مما لحق بها من الشوائب التي انحرفت بالثقافة عن رسالتها الإنسانية ، مصداق ذلك قول المصطفى صلى الله عليه و سلم : "إنما بُعثت لأتمم صالح الأخلاق" (2) .
و ما زالت الثقافة هي المحرك الأساس للفعل الإنساني ، فمقياس تحضر الأمم و رقيّها مرتبط بتقدمها الثقافي بكل دلالات اللفظ و محتوياته ، و هذا ما تشهد به المدنية المعاصرة فالأمم المتقدمة في عالمنا هي التي استطاعت أن تأخذ بتلابيب الثقافة في كافة جوانبها الإنسانية و العلمية و أن تحول وعيها الثقافي إلى فعل عام تتقدم به على غيرها ، على الرغم من الخلل الذي يلف بعض جوانب ثقافتها .
فالسيطرة العالمية المعاصرة على واقع الشعوب ليست سيطرة عسكرية أو اقتصادية فقط بل هي نسيج من السيطرة الثقافية سواء كان ذلك في حياتها الاجتماعية أم الاقتصادية أم السياسية أم التربوية ، إذ أصبحت "نمطية" الحياة لدى بعض الشعوب صورة متكررة لشعوب أخرى في فعلها الثقافي على الرغم من أنها لم تخضع لاحتلالها العسكري أو لهيمنتها الاقتصادية ، و ما ذلك إلا لغلبة ثقافتها و انتشارها مستغلة التقدم العلمي و التقني المعاصر و الذي يسّر لها سرعة الوصول إلى أطراف الدنيا في مشهد " خلدوني " يتبع في المغلوب شأن غالبه !!.
إن ذلك يشير إلى أن المجتمعات إنما هي صور ثقافية كما عبر عنها "توماس اليوت" في تعريفه للثقافة ، أو أنها تحتفظ ـ أي الثقافة ـ ببعدها الاجتماعي كما يرى ذلك "تيري إيجلتون" في كتاب : "فكرة الثقافة" .
و لقد اختلفت تعريفات المفكرين و الفلاسفة حول مفهوم الثقافة بصفة عامة ، فقد عرّفها (ثومبسون Thompson ـ2001) بأنها مميزات أو خصائص جماعة تتضمن القيم و المعتقدات و معايير السلوك التي تختلف في عضوية جماعة أخرى و تساعد على تمييز هذه الجماعة عن جماعة أخرى ، أما ( أمرود Omrod) فيعرّفها بأنها "نظم السلوك و المعتقدات التي تميّز جماعة اجتماعية" و يرى ( آرندس 2004 Arends) أنها "تصف الطريقة الكلية لحياة جماعة بتاريخها و اتجاهاتها و قيمها ، و الثقافة تُتَعلّم ، و ليست ثابتة ، و تتغير بشكل مستمر ، و الثقافات لا تمثل الجماعات ، و إنما هي ما أوجدت من قبل الجماعات"(3) .
و لقد كان عالم الاجتماع "روبرت بيرستد" أكثر وضوحاً حين عرّف الثقافة بأنها "هي كل ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نتملكه كأعضاء في مجتمع".
و تتكرر رؤية الثقافة ببعدها المجتمعي عند عدد كبير من علماء الاجتماع والتربية أمثال "لويس دوللو" و "كارل مانهايم" و "رايموند وليامز" صاحب كتاب "الثقافة و المجتمع ـ 1956" و "ماثيو أرنولد" صاحب كتاب "الثقافة و الفوضى" و "ف.ر.ليفيس" صاحب كتاب "الثقافة و البنية ـ 1933" و "دينيس تومبسون" و غيرهم من علماء الاجتماع و الباحثين
و لعل علماءنا العرب و المسلمين سبقوا في دراسة ارتباط الثقافة بالمجتمع منذ عصور مضت يقف في مقدمة ركبهم مؤسس علم الاجتماع العلامة ابن خلدون مروراً بعدد كبير من علماء الاجتماع و لعل أبرزهم في السنوات الأخيرة المفكر الجزائري مالك بن نبي و عالم الاجتماع علي الوردي وغيرهم .
إن ارتباط الثقافة بالمجتمع ارتباط متلازم ، إذ لا يمكن أن نفهم مجتمعاً إلا بفهم ثقافته ، كما لا يمكن أن نفهم ثقافة أي مجتمع إلا بفهم المجتمع ذاته ، سوء كان ذلك في جوانبه الثابتة كالأديان و القيم الأخلاقية ، أم في جوانبه المتطورة و المتغيرة كالإبداع و الفن و الأدب و الإنتاج العلمي و غيرها من الأفعال الثقافية المتطورة و التي هي أسرع تغيّراً و مواكبةً للمرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع .
و قد تأكد الدور الاجتماعي للثقافة من خلال :
1.التأثير القيمي و الأخلاقي و السلوكي للثقافة في حياة الفرد في التصرفات و السلوك إذ يعبر عن ثقافة الفرد و رؤيته لذاته و للأشياء من حوله و بمقدار الوعي الثقافي لدى الفرد يزداد دوره في الحياة و تزداد رسالته الإنسانية نحو مجتمعه و الآخرين .
2.للثقافة دور كبير في التواصل الإنساني على مر التاريخ ، فقد استطاع الإنسان أن يبتكر و يطور آليات ثقافية متجددة و نامية حقق من خلالها معرفة واسعة بالحياة و تعزز هذا الدور من خلال الوسائل الحديثة التي توّجت بثورة الاتصالات و المعلومات ، التي جعلت التواصل الإنساني أكثر قدرة على اختراق الحواجز و الجسور بين البشر مما زاد معرفتهم بانفسهم و بغيرهم .
3.تزايد الإدراك لدور الثقافة في تغيير اتجاهات الرأي العام المحلي و العالمي ، من خلال التأثير غير المباشر للفعل الثقافي في حياة الشعوب ، و لقد تعزز دور الثقافة على المستوى العالمي في العقود الأخيرة من خلال إنشاء عدد من المنظمات و المؤسسات الثقافية العالمية و الإقليمية و لعل المنظمة الدولية للتربية و العلوم و الثقافة (اليونسكو) تأتي في مقدمتها ، و على المستوى الإقليمي تبرز المنظمة العربية والمنظمة الإسلامية للتربية و الثقافة و العلوم و غيرها من المؤسسات التي تشكل أدوات و آليات للفعل الثقافي الدولي و الإقليمي .
و إذا كانت الثقافة تتبوأ هذه المكانة في حياة الأمم والشعوب والمجتمعات والأفراد ، فإن التربية و الإعلام هما البوابتان اللتان تلج الثقافة من خلالهما إلى الفرد في أي مجتمع ، فالتربية وثيقة الصلة بالثقافة و يؤثر كل منهما بالآخر و يتأثر به ، فالتربية هي الميدان الذي يتم من خلاله صياغة الشخصية الإنسانية بكل مقوماتها العقدية و الأخلاقية و السلوكية ، و هي المعايير الأساسية في بناء ثقافة الفرد من خلال ما تقدمه التربية من مناهج و نماذج و خطط و برامج و معايير تقويم و قياس ، و من خلال التفاعل الذي تشكله البيئة التربوية التي تكوّن الرؤى و التصورات و القيم لدى الفرد ، وتصوغ سلوكه و أخلاقه و معاملته و علاقته بالآخرين ، و بمقدار ما تصوغ التربية شخصية الفرد تأتي مخرجات هذه العملية إيجابية أو سلبية .
و لا يقل ارتباط الثقافة بالإعلام عن ذلك ، فهو الناقل للثقافة و المعبر عنها بصورها المتعددة ، بل إن الفعل الإعلامي يحمل بداخله مضموناً ثقافياً أيّاً كان هذا المضمون ، و هذا يبيّن أهمية و دور الإعلام في تغيير كثير من التصورات و المفاهيم لدى الأفراد و الشعوب ، و قد ساعد على ذلك سرعة و تطور انتشار وسائل الإعلام المختلفة ، فالفضاء يعج بمئات المحطات التلفزيونية و الإذاعية ، و تمتلئ المكتبات بآلاف الصحف و المجلات التي تصدر كل يوم ، و قد أضاف الإعلام التكنولوجي بُعداً جديداً لذلك بحيث أصبحت الموارد الإعلامية شلالا يتدفق بكل محتوياته الإيجابية و السلبية ، التي لا يمكن وقفها إلا من خلال التكامل بين التربية و الإعلام بما يشكلانه من ثقافة مشتركة لدى الفرد ، و إذا كان التناقض هو السائد على الجانب الأعم من العلاقة فإن التكامل بينهما ليس بالأمر المستحيل أو الصعب .
إن التربية و الإعلام يشكلان المنطلقين الأساسيين لتكوين الثقافة لدى الفرد .
فالثقافة التربوية هي : "المضامين الثقافية التي يتلقاها الفرد و الجماعة من المصادر التربوية و تشكل معتقداتهم و تصوراتهم و مفاهيمهم و قيمهم التي تؤثر في تكوين سلوكهم و عاداتهم و تقاليدهم و أنماط حياتهم ".
أما الثقافة الإعلامية فهي : " المضامين الثقافية التي يتلقاها الفرد و الجماعة من المصادر الإعلامية و تشكل معتقداتهم و تصوراتهم و مفاهيمهم و قيمهم التي تؤثر في تكوين سلوكهم و عاداتهم و تقاليدهم و أنماط حياتهم " .
و يلاحظ أن كلا الثقافتين ذات مصادر محددة ، و كلاهما مكوّن للمعتقدات و التصورات و المفاهيم و القيم ، و كلاهما مؤثر في تكوين السلوك و التقاليد و أنماط الحياة ، إلا أنهما يختلفان في مصادرهما سواء كان هذا الاختلاف في طبيعة المصدر أم في المضمون الثقافي الذي يحمله .
أولا : مصادر الثقافة التربوية :
إذا كانت المؤسسات التربوية تهئ لطلابها و طالباتها الخطط و البرامج التعليمية و التدريبية لما لهذه الخطط و البرامج من أهمية في تحصيل الطلاب و الطالبات للمواد العلمية التي جاءوا لدراستها ، فإن هناك جانباً آخر لا يقل أهمية عن ذلك ، ألا و هي مصادر الثقافة التربوية لدى هؤلاء الطلاب و الطالبات ، إذ أن ما يقدم داخل قاعات الدرس و المختبرات و المعامل لا يمثل إلا جزءاً من عملية التربية التي يجب أن يتلقاها الطلاب و الطالبات ، و لعل أبرز مما تعنى به المؤسسات التربوية هو رفع المستوى الثقافي لطلابها و طالباتها من خلال توفير فرص التثقيف و إيجاد رؤية تثقيفية نقدية لديهم حتى يستطيعوا أن يتعاملوا مع المؤثرات الثقافية في المجتمع ، و ذلك من أصعب المهمات أمامها إذ أن تشكيل الرؤى الثقافية يتم قبل من خلال مؤثرات كثيرة ، و تأتي هذه الرؤى ـ في بعض الأحيان ـ محملة بكثير من المعوقات التي تحد من دور المؤسسة التربوية في تكوين التصورات والأفكار الثقافية لطلابها و طالباتها ، إذ يأتي هؤلاء و قد تأثروا بمؤثرات كثيرة لعل من أبرزها الأسرة و المدرسة و الأصدقاء و غيرهم .
ولذلك فإن من أهم مصادر الثقافة التربوية ما يلي:
1.: الأسرة :
إن الاهتمام بالأسرة يعني الاهتمام بكل مجتمع ، فإذا أنشئت هذه الأسرة على أسس و قواعد ثابتة راسخة من القيم و الفضائل فإنها بذلك تبني المجتمعات بلبنات قوية متماسكة لا تؤثر فيها عواصف الزمن و لا متغيرات الأحداث . أما إذا أهملت الأسرة دورها في التربية و التقويم فإن أفراداً في المجتمع يتخرجون من هذه الأسرة لا يمكن أن يساهموا في بنائها بل يكونون عوامل هدم و تخريب و لا يمكن أن تنشأ المجتمعات بمثل هذه العناصر الهزيلة .
و قد اهتمت الشعوب و الأمم بتكوين الأسرة على قواعد ثابتة حتى تستطيع أن تربي أجيالاً قوية ، ولعل أهم أدوار الأسرة في تكوين الثقافة التربوية يبرز في الاهتمام بالجانب الأخلاقي و السلوكي و في تعليم الأبناء الفضائل و المبادئ الخلقية الرفيعة و إرشادهم إلى السلوك المستقيم ، و هي من أهم الواجبات التي يمكن أن تقوم بها الأسرة فهي التي تستطيع أن تترجم المعاني الخلقية إلى أفعال و سلوك بممارستها لهذه الأفعال أمام الأبناء فيكتسبون منها ذلك و لا يمكن لأي مؤسسة أو فئة أو محضن تربوي أن يقوم بدور الأسرة ، و إذا حدث ذلك فإنما هو خلل في الأدوار لا بد من معالجته . و لعل أبرز جوانب التربية الخلقية هو القدوة من خلال الوالدين ، حيث أنهما يعتبران النموذج و القدوة أمام الأبناء .
و قد حث الإسلام على الاهتمام بالجانب الخلقي فجعل النموذج الأمثل للقدوة هو محمد صلى الله عليه و سلم ، حيث وصفه القرآن الكريم بقوله : " و إنك لعلى خلق عظيم " و قال عن نفسه : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " (4) .
و قد حث الإسلام الآباء على الاهتمام بالجانب الخلقي عند أبنائهم ، فقد قال صلى الله عليه و سلم : "ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن " (5) .
بل جعل الإسلام من التنشئة على حسن الخلق وجباً للأبناء على الآباء فقال عليه الصلاة و السلام : "من حق الولد على الوالد أن يحسن أدبه و يحسن اسمه" (6) .
"و من المسلم به أن التربية الخلقية هي روح التربية الإسلامية ، و أن الوصول إلى الخلق الكامل هو الغرض الحقيقي من التربية ... فالغرض الأول و الرسمي من التربية تهذيب الخلق و تربية الروح ، و كل درس يجب أن يكون درس أخلاق ، و كل معلم يجب أن يتصف بالأخلاق المحمودة التي يكون بها المعلم مثاليا في تديّنه و سمته ، و الخلق النبيل عماد التربية في الإسلام"(7) .
فالقدوة الحسنة في التربية ، هي من أنجح الوسائل المؤثرة في سلوك الأبناء ، سواء كان ذلك في الجانب الخلقي أو الجانب العملي ، و لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى : "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيراً" (
.
و قال تعالى إشارة إلى ضرورة القدوة حثاً للمسلم بالاتصال بالصالحين : "أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده" (9) .
كما يبرز دور الأسرة في الاهتمام بالسلوك الاجتماعي حيث يعيش الأبناء في مجموعة بشرية معينة و عليهم أن يتعرفوا على هذه البيئة حتى يستطيعوا أن يعيشوا معها و يتجاوبوا مع ما تطلبه منهم و يستطيعوا أن يأخذوا منها ما يحتاجون إليه ، و لذلك لا بد للأبناء من سلوك اجتماعي يتعاملون به مع الآخرين ، و هذا السلوك إنما يأتي بصورة رئيسية من الأسرة التي تدربهم و تعلمهم على ذلك .
و تأتي تنمية الجانب الثقافي كدور آخر للأسرة ، فهو جانب مهم في حياة الإنسان الذي يراد له أن يكون إنساناً سوياً ، و بالتالي لا بد له من ثقافة و معرفة يتلقاها في صغره حتى يكبر عليها و ينشأ محباً لها عاملاً بها .
فمن خلال الأسرة تتكون القيم و المفاهيم الثقافية الأولى للفرد و يستمد منها معرفته الثقافية بدءاً من معاني المفردات و الكلمات إلى الحكم على الأشياء بالصواب و الخطأ .
وقديما قال أبوالعلاء المعري :
و ينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوّده أبوه(10).
و لعل أهم الأدوار الثقافية للأسرة مراقبة ما يقدَّم للأبناء من خلال وسائل الإعلام ، فالأسرة لا تستطيع أن تمنع ما يقدَّم في هذه الأجهزة إلا أنها تستطيع أن تراقب ما يقدَّم لأبنائها من برامج إعلامية ، لأن في بعض هذه البرامج ثقافة و فكراً لا تتفق مع ما تهدف إليه الأسرة من التربية السليمة لأبنائها.
و الأسرة ـ كذلك ـ مرجع لثقافة الطلاب و الطالبات ، فما زال كثير منهم يلجأ إلى أسرته للتعرف على ما يحتاجه من ثقافة معينة أو معلومة جديدة خاصة إذا كانت هذه الأسرة تعنى بالثقافة .
إلا أن دور الأسرة بدأ يتراجع لصالح مؤثرات أخرى كوسائل الإعلام و المؤسسات المجتمعية ، فبسبب التحول الاجتماعي الذي طرأ على أطوار كثير من مكونات المجتمع و وحداته فقد أصبحت الأسرة مشدودة إلى مؤثرات كثيرة ، مثل طول ساعات العمل للوالدين أو أحدهما و الاهتمام بقضايا حياتية كتوفير مصادر الدخل و العلاقات الاجتماعية ، و اقتصار حجم الأسرة على الأسرة النووية بما لها من دور محدود ، و تراجع الدور الواسع و المؤثر للأسرة الممتدة ، و دخول عوامل مؤثرة جديدة داخل الأسرة و هي جهاز التلفزيون أو الكمبيوتر ، كل ذلك أثر على هذا الدور فأصبحت ساعات التواصل بين الأسرة محدودة أو قليلة ، و أصبح الأبناء يبحثون عن إجابة لتساؤلاتهم في أجهزة الإعلام كالإذاعة و التلفزيون و شبكة الاتصالات و شبكة المعلومات وغيرها من مصادر المعرفة ،
وقد أدى ذلك كله إلى إضعاف دور الأسرة في تكوين الثقافة التربوية للأبناء .
1.2. : المعلم :
يعتبر المعلم محور العملية التعليمية إذ أن جميع العوامل الأخرى كالمنهج والكتاب والوسائل المساندة لا تستطيع التأثير أو تطوير مسيرة التعليم دون أن تمر من خلال المعلم ، فهو يقوم بصياغة تفكير الإنسان وتربيته وتطوير مهاراته فالمعلم هو القائد والمحرك للعملية التعليمية .
ومن هنا تأتي أهمية الاهتمام به بما يتناسب مع دوره الملقى عليه وهو النيابة عن الأنبياء لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "العلماء ورثة الأنبياء " إن أثار المعلم واضحة على التعليم والمجتمع .
إن مهنة التعليم هي المهنة الأم كما يعبر عنها (Chandler) شاندلر فهي The Mother Profession ، كما أنها المصدر الأساسي لبقية المهن(11).
وهي كما يقول "فردريك ماير “Fredrich Mayer" المهنة التي من خلالها يحاول المعلمون أن يجددوا وأن يبتكروا وأن ينيروا عقول طلابهم وأن يوضحوا الغامض ويكشفوا الستار عن الخفي ، كما أنهم يحاولون أن يربطوا بين الماضي والحاضر ، وبين الطيب والرديء وكل ذلك بهدف أن يبينوا لطلابهم الطريق السوي والمعلمون بعملهم هذا إنما يخلقون في نفوس الأجيال الناشئة الأمل واليقين ويبينون لهم الغث من السمين إنهم باختصار يتركون آثاراً عميقة وتغييرات لا تنمحي من حياة المجتمعات التي يعملون بها ، كم أنهم من جانب أخر يسهمون بلا حدود في رفاهية مجتمعاتهم وفي ربط أبناء أمتهم بعضهم إلى بعض من خلال توحيد أفكارهم ، وبالتالي مشاعرهم إنهم في حقيقة الأمر يعتبرون أن عملهم في مهنة التدريس هو خير ما يمكن أن يقدموا لمجتمعاتهم ، وليس هذا فحسب ، بل إنهم بعملهم هذا إنما يسهمون في تشكيل مستقبل تلك المجتمعات بتشكيلهم لشخصيات الشباب منذ نعومة أظافرهم ، هؤلاء الشباب الذين يحملون عبء المسؤولية في مستقبل أوطانهم وشعوبهم.
إن الاتجاه العالمي في التربية الحديثة يذهب إلى إعطاء المعلم أدواراً أكثر من مجرد الأداء للمادة العلمية إذ يتطلب منه أن يقوم بأدوار شتى كتعليم الطالب طريقة التعليم وليس التعليم وحده ، كما يطلب منه أن يتابع المستجدات الحديثة في ميدانه ويطور إمكانياته ومهاراته المهنية والتركيز على البحوث العلمية الميدانية وعدم الاكتفاء بالتلقين النظري خاصة مع تسارع المستجدات العلمية الحديثة وتطور وسائل التقانة مما يفترض معه قدره المعلم على التعامل مع هذه التقانة ، أو تنمية مهاراته كما عرفها "هندرسون Handerson " بأنها أي شئ يحدث للمعلم من أول يوم يلتحق فيه بالمهنة إلى اليوم الذي يتقاعد فيه عنها ، بحيث تسهم هذه الأشياء وبصورة مباشرة أو غير مباشرة في الطريقة التي يؤدي بها واجباته المهنية "(12).
لقد خرج المعلم بدوره إلى ميدان أوسع من ميدان التعليم إلى ميدان التربية ، وبهذا يعود المفهوم الشمولي الذي دعى إليه الإسلام في قيام المعلم بهذا الدور إذ لم يفصل بين الفكرتين بل دعى إليهما باعتبارها وجهان لعملة واحدة ، بل تكاد التربية تسبق التعليم ، يقول تعالي "كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون" ولذا شاع القول المشهور "لولوا المربي ما عرفت ربي" واستمع إلى الإمام الغزالي وهو يصف المعلم ودوره فيقول " فمن علم وعمل بما علم فهو الذي يدعى عظيماً في ملكوت المساء ، سيصبح كالشمس التي تضئ لغيرها وهي مضيئة في نفسها ، والمسك الذي يطيب عبيره وهو طيب ومن اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمراً عظيماً وخطراً جسيماً وليحفظ آدابه ووظائفه "(13) .
وهذا عمر بن عقبه يقول لمعلم ولده " ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك فإن عيونهم معقودة بك ، فالحسن عندهم ما صنعت ، والقبيح عندهم ما تركت علمهم كتاب الله ، ولا تملهم فيه فيتركوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه ، روّهم من الحديث أشرفه ومن الشعر أعفه ، ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه ، فإن ازدحام الكلام في القلب شغلة للفهم ، وعلمهم سنن الحكماء ، وأخلاق الأدباء ، وكن لهم كالطبيب الذي يعالج بالدواء حتى يعرف الداء" (14).
ولذا فالمعلم الذي يؤمل أن يقوم بهذا الدور هو المعلم المطبوع وليس المعلم المصنوع وفق ما يعرف هانت ولورنس Hunt and Lawrence أي المعلم الذي طُبع على عملية التربية والتعليم فأصبح ذلك جزء من حياته وطبعه وليس ذلك المعلم الذي "يصنع صناعة" ليصبح معلماً حيث أن هذا الدور ليس دوراً تكفي فيه الدربة والصناعة بل لا بد من مميزات وسمات ذاتية ترقى بالإنسان إلى أن يكون في منزلة المعلم ، لذلك فإن أمثال هؤلاء المعلمين هم الذين يتركون أثراً واضحاً على العملية التعليمية ، كما يقول "جون لاسكا John A. Laska في كتابه “Schooling and Education" (التمدرس والتربية) حيث يذكر "أن المناهج تكاد تكون واحدة في معظم مدارس البلد الواحد ، وكذا الكتب التي تعالج تلك المناهج بالإضافة إلى أن المباني المدرسية تكاد تتشابه ، إن لم تتطابق ، ولكن المخرج أو الناتج من هذه المدارس متمثلاً في الخريجين من الطلاب ، وما حصلوا من علوم ومعارف ومهارات ، وما اكتسبوا من صفات جديدة أضيفت إلى شخصياتهم التي دخلوا بها المدارس من قبل ، هذا الناتج يختلف من مدرسة إلى أخرى ، ويستنتج الرجل أن العنصر الفعال والفارق المميز في الحالتين هو بلا شك ، المعلم والدور الذي يقوم به ، ذلك أنه يترك بصماته الواضحة على العملية التربوية بشكل لا يقبل الجدل(15) .
لكن هذه الصورة المثالية ليست منطبقة في بعض الأحيان على المؤسسات التعليمية العربية في كثير من البلدان .
إذ مازالت العلاقة بين الأستاذ والطالب في عالمنا العربي تعتريها حالات من التردد ، فصورة الأستاذ أو المعلم في ذهن الطالب هو ذلك الإنسان المتعالي المتشدد في معاملته قليل الابتسامة، يستخدم مصطلحات وكلمات لا يستوعب الطلاب كثيراً منها، ويقيم حاجزاً نفسياً بينه وبينهم، لا علاقة لهم به خارج قاعة الدرس .. إلى غير ذلك من الصور السلبية التي يرسمها الطلاب عن أساتذتهم ومازالت مخيلة الذين درسوا في المؤسسات التعليمية العربية تحتفظ بنماذج من هؤلاء الأساتذة على الرغم من الإقرار لهم بالفضل والعلم!! وإذا كانت هذه الرؤية لدى الطلاب فإن رؤية الأساتذة لطلابهم لا تقل (سوداوية) عنه إذ هم يرون في طلابهم مجموعة من الأشخاص الذين لا يسعى معظمهم للعلم وتحصيله بل للحصول على الشهادة العلمية بقليل من الجهد وأن هذا الجيل ليس كالأجيال السابقة في جدّه واجتهاده، وقليلاً ما يتميز بعض الأساتذة بعلاقات جيدة مع طلبتهم، ويساعد على ذلك أن قوانين وأنظمة المؤسسات التعليمية لا تنظم مثل هذه العلاقة من خلال قاعات الدرس أو ما شابهها، كما أن إعداد الأساتذة والمعلمين ـ في الغالب ـ لا يتضمن طرائق التعامل مع الطلبة وإنما تجعل ذلك وفقاً للأنظمة واللوائح ووفقاً لاجتهادات الأستاذ أثناء أدائه للخدمة. ومن هنا نشأت حالة من الانفصام بين الأستاذ أو المعلم من جهة وبين طلبته من جهة أخرى وتراجع دور المربي والقدوة إلى دور آلي خال من الروح الإنسانية، ويكون الضحية في ذلك هو الطالب والطالبة الذي جاء إلى المؤسسة التعليمية مثقلاً بكثير من الأسئلة التي يحتاج إلى إجابة لها كما جاء بقيم وأفكار ومعتقدات ومفاهيم تحتاج من الأستاذ والمعلم إلى تصويبها أو تأكيدها خاصة وأنه يعيش في نظام تعليمي يفتقد في كثير من جوانبه إلى حرية التعامل والحوار، كما يفتقد إلى أسس التعلم الذاتي الصحيح ، والتي هي أهم ركائز التعليم .
إن دور الأستاذ أو المعلم في علاقته مع الطالب قد تجاوز الأطر التقليدية التي كانت سائدة في المؤسسات العربية وبدا واضحاً أهمية تطوير هذه العلاقة من خلال وضع أسس جديدة تتلاءم وروح المتغيرات المعاصرة التي تقوم على تعدد مصادر المعرفة العلمية للطالب، فلم يعد الأستاذ يشكل المصدر الأساسي للتعليم و التثقف ، كما كان عليه الحال قبل عقود مضت بل أصبح دور الأستاذ أو المعلم هو مساعدة الطالب للوصول إلى مصادر المعرفة من خلال تنمية الرغبة في التعليم والبحث ورفع دافعيته لذلك، بعيداً عن ارتباط التعليم بتحقيق الغايات المحدودة للطالب –خاصة في مجتمعات الخليج العربي- إذ أن دافعية الطالب المحدودة للتعليم قد تراجعت –بصفة عامة- بسبب تغيير النظم الاجتماعية والاقتصادية إذ شكلت الوفرة المادية حاجزاً دون تنمية الرغبة في التعليم ولذا نجد بعض الطلاب يأتي للمؤسسة التعليمية من أجل الحصول على الشهادة العلمية كمكانة اجتماعية دون أن يكون العلم هدف لذاته، كما أن فئة أخرى جاءت من أجل الحصول على الشهادة العلمية كمدخل للعمل الوظيفي، ومع أهمية الهدفين السابقين إلا أن ذلك يحد من رغبة الإنسان ـ طالباً كان أم غيره ـ في الحصول على العلم والمعرفة لذاتهما، وهنا يأتي دور الأستاذ أو المعلم في معالجة هذه الظاهرة –لا إلغائها- وتغيير رؤية الطلاب للشهادة العلمية وتنمية دافعيتهم للتعلم حتى تبقى هذه الروح مستمرة معهم بعد تخرجهم .
1.3. : المكتبات التعليمية :
ما زالت المكتبات بصفة عامة و المكتبات في المؤسسات التعليمية بصفة خاصة مصدراً أساسياً من مصادر الثقافة التربوية للطلاب و الطالبات ، فهي مصدر علمي يسند المقررات الدراسية و التدريبية حيث يجد فيه الطلاب و الطالبات مبتغاهم من المصادر و المراجع التي يحتاجونها لدعم دراستهم التخصصية أو أبحاثهم العلمية ، و تسعى المؤسسات التعليمية إلى أن تكون مكتباتها ملبية لاحتياج الباحثين فيها سواء كانوا أساتذة أم طلاباً ، و لذا فإنها تقوم بتطوير مكتباتها و رفدها بالدراسات و الأبحاث و الكتب الجديدة ، و قد يسرت وسائل التكنولوجيا سبل الاستفادة العلمية من المكتبات خاصة مع توفر الكتاب الإلكتروني أو المكتبة الإلكترونية التي لا تحتاج إلى انتقال مكاني أو ساعة زمنية محددة للاستفادة منها .
و إذا كانت المكتبة مصدراً علمياً أساسياً للطلاب و الطالبات فإنها مصدر ثقافي لهم كذلك إذ أنها تخرج من كونها مصدراً مسانداً للعملية التعليمية لتصبح مصدراً للثقافة من خلال ما تحتويه من كتب و مراجع و مصادر مختلفة إلى جانب احتوائها على المجلات العلمية و الصحف و البرامج السمعية و البصرية ، فهي بذلك جزء من دعم النشاط الثقافي العام و مصدر لثقافة الطلاب و الطالبات .
لكن المتتبع لدور المكتبات في المؤسسات التعليمية يجد أن الاستفادة منها كمصدر للثقافة ما زال محدوداً ، إذ ما زال طلاب و طالبات المؤسسات التعليمية يعتقدون أن دور المكتبة مقصور على توفير المراجع و المصادر العلمية و أن مصادرهم الثقافية لا مكان لها في هذه المكتبة ، و لعل مرجع ذلك إلى (تقليدية) الدور الذي تقوم به بعض المكتبات ، إذ يقتصر دورها على توفير الكتب دون القيام ببرامج و أنشطة تخرج بها من هذا الدور إلى الدور الثقافي العام بحيث تشجع الطلاب و الطالبات على الاستفادة منها و من برامجها ، و ترجع بعض الأسباب إلى الطلاب و الطالبات أنفسهم ، و من ذلك :
أ . عدم إدراك الطلاب و الطالبات للثقافة كمكوّن أساسي لحياتهم الشخصية ، إذ لا يتوقف دور الطالب أو الطالبة بعد تخرجه على المادة العلمية التي درسها ، بل يمارس دوراً واسعاً في الحياة يتطلب منه إحاطة شاملة بشؤونها ، و من لم يتسلح بالثقافة العامة و المعرفة إلى جانب التأهيل العلمي و التدريب فلن يستطيع أن يقوم بدوره في الحياة كما ينبغي .
ب . تراجع مكانة القراءة كمدخل للثقافة ، فكثير من الطلاب و الطالبات لا يقرءون إلا المقررات الدراسية أو ما يكلفهم به أساتذتهم من واجبات ، لكن القراءة و المطالعة كرغبة و هواية لم يعد لها ذلك الدور المهم على الرغم من توفر الوسائل المساعدة في ذلك .
إن كثيراً من الطلاب و الطالبات لديه الرغبة في القراءة لكنه لا يعرف كيف يبدأ و ماذا يقرأ و لا يعرف أساليب القراءة و كيفية الاستفادة مما قرأ ، إلى غير ذلك من المعوقات أمامه التي يحتاج معها إلى توجيه وإرشاد يمكنه من الاستفادة من المكتبة .
ج . غياب الاهتمام الثقافي العام و التثقيف الذاتي ، إذ أدى تطور الحياة السريع و تشتت الاهتمام في جوانب كثيرة من الحياة و انصراف الإنسان إلى الاهتمام بحياته و مصادر رزقه و ضياع كثير من الأوقات ، و غياب الاستعداد للعمل الثقافي و تراجع هذا العمل إلى العزوف عن الشأن الثقافي ـ بصفة عامة ـ لصالح مظاهر اجتماعية أخرى ،إن المراقب لحال طلاب و طالبات لا يجدهم يختلفون كثيراً عن واقع المجتمع الذي يعيشون فيه ، و هم في ذلك غير ملامين ، فهم نتاج مجتمعهم أو بيئتهم ، و قد تأثروا به و تعودوا على ما عودهم عليه ، و من هنا فإن الشكوى من ضعف المستوى الثقافي لكثير من للطلاب و الطالبات ليس إلا تعبيراً عن المستوى الثقافي العام .
ولذا تدني مستوى القراءة ـ وهي المدخل للثقافة بصفة عامة والثقافة التربوية بصفة خاصة ، تدنى ـ بحيث أصبحت نسبة من يقرأ منهم قراءات خارج المنهج الدراسة محدودة ، تشير إحدى الدراسات ( العاني2005 ) إلى أن "عدد الكتب التي قرأها الطالب في العام الأكاديمي (فترة إعداد الدراسة ) 2003/2004 -غير الكتب الدراسية المقررة- ( تتفاوت بين الطلبة ) فنجد أن أعلى نسبة سجلت لفئة (1-2) كتاب بلغت (37.5%) وأن فئة (3-4) كتب بلغت نسبتها (29%) وفئة (5) كتب فأكثر بلغت نسبتها (25.3%)، فهذه النتائج تشير إلى أن الطالب يقرأ كتباً إضافية ويطالع مطالعات خارجية ولكن لا تزال قليلة جداً في الوقت الذي يتطلب منه أن يقرأ أكثر وخاصة أنه في مرحلة إعداد أكاديمي- تربوي يتطلب منه الاستزادة من طلب المعرفة الموجودة في الكتب والتي لا تتحقق إلا من خلال قراءتها واستيعاب مضامينها بدافع ذاتي، فالقراءة هي مفتاح العلم والمعرفة (16) .
وقد كشفت دراسة أخرى (حوّاس1999) حول المستوى الثقافي للطلاب ، نتائج مقلقة ،إذ أن معظم الطلاب لا يقرؤون الصحف المحلية مطلقاً ، في حين بلغ متوسط ساعات الجلوس أمام التلفاز 6 ساعات يومياً ، وكشفت الأسئلة التي تتعلق بالشخصيات العامة عن جهل الطلبة بأسماء شخصيات لها دور وطني بارز ، فمثلاً عرف الكثيرون المفكر التنويري عبد الرحمن الكواكبي على أنه صحافي مصري ، وسعد زغلول بأنه شاعر سوري والشاعر التشيلي ( بابلوينرودا ) بأنه أديب مغربي وهكذا . ولكن الأمر اختلف عند ما تعلق السؤال بمسألة تلفزيونية أو سينمائية ، إذ تم السؤال عن جنسية الممثلة الأمريكية " شارون ستون" وعن فلم "غريرة أساسية " كأشهر أفلامها إذ كانت أجوبة أكثر الطلاب صحيحة ، وأنحى الطلاب باللائمة على أساتذتهم في ذلك ، وعن مسؤوليتهم في أنهم يلقّنونهم معلومات غير صحيحة تدل على جهلهم بالحقائق التاريخية ، وأعطى أحدهم مثالاً بأستاذه الذي لا يعرف أن سورية استقلت عام 1946م !! وفي مصر تقدم لاتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري أكثر من ( 2000 ) من خريجي الجامعات للعمل مذيعين ومترجمين ومحررين ، ولم ينجح واحد منهم في الاختبار رغم أن الأسئلة كانت تدور حول المعلومات العامة فإن إجاباتهم حملت العجب العجاب منها أن انجلترا عاصمة بريطانيا ومنابع نهر النيل تبدأ من دلتا مصر والسد العالي أنشئ بعد حرب أكتوبر 1973 ، تركيا دولة عربية ونجيب محفوظ من رواد الواقعية في السينما المصرية!! ، أما في الكويت فالأمر لا يختلف كثيراً حيث أجرت صحفية الرأي العام الكويتية استطلاعاً على مجموعة من الشباب لقياس مستوى ثقافتهم فتبين أن لديهم معلومات جيدة عن الممثلين واللاعبين وعروض الأزياء والموضة ، وبسؤالهم عن كوفي عنان اعتبره59% من العينة حارس مرمى منتخب الكاميرون ، وبعضهم اعتبره منظراً شيوعياً ، بينما لم يتعرف على عمله الحقيقي كأمين عام للأمم المتحدة ( السابق ) سوى 23% ، أما روجيه غار ودي فأجاب 16% من أفراد العينة أنه لاعب في منتخب فرنسا 1998 م ، بينما لم يتعرف عليه سوى 23% من الشباب ، أما الشيخ أحمد ياسين زعيم حماس فقد اعتبرته الأغلبية أنه شقيق الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين (17) .
ولا تختلف الصورة ـ كثيرـ في أي أو مؤسسة تعليميةعربية عما ورد في مثل هذه الاستبيانات .
1.4. : جماعة الأصدقاء :
يشكل الأصدقاء مصدراً للثقافة التربوية بالنسبة لزملائهم خاصة لأولئك الذين لا يجدون مصدراً للإجابة على تساؤلاتهم التربوية و الثقافية ، فقد أصبح "عالم" الأصدقاء بالنسبة لكثير من الفتيان و الفتيات موئلاً مهماً للإباحة لهم بمشكلاتهم ، و هو مهم ، خاصة و أنهم يجدون فيهم الثقة المناسبة و المقاربة في العمر و القدرة على التجاوب معهم دون تعنيف أو إساءة كما يحدث ـ أحياناً ـ من بعض الوالدين أو المعلمين ، و لذا يلجأ بعضهم إلى أصدقائهم للاستفادة من آرائهم و أفكارهم و حلولهم للمشكلات التي تواجههم ، خاصة أولئك الأصدقاء الذين يملكون قدراً من المعرفة يميزهم عن أقرانهم ، أو يملكون قدرات قيادية يستطيعون من خلالها قيادة زملائهم و أصدقائهم .
إن جماعة الأصدقاء تمارس ـ أحياناً ـ أدواراً تتجاوز دور المدرسة أو الأسرة ، يقول (وارنر) (Warner) و (لنت) (Lunt) : "إن العضو المراهق أو المراهقة في جماعة الأصدقاء ، قد يقف من أسرته موقف التحدي و يعارضها ، في سبيل المحافظة على كرامة رفاقه و احترامهم ، في حالة تعارض ميول الجماعتين" (18) .
و إذا كان الأصدقاء يشكلون مصدراً للثقافة التربوية فإن بعضهم ـ قد ـ يشكل مصدراً للانحراف خاصة تلك المجموعات التي تلتقي على القيام بأعمال منافية للأخلاق أو مخالفة للقانون ، مثل تعاطي المخدرات أو الانحرافات السلوكية أو جرائم السرقة أو حتى مشاجرات الطرق ، و من هنا تأتي أهمية و خطورة الثقافة التربوية التي يتلقاها الطلاب من أصدقائهم ، و لذا نجد التعاليم الإسلامية تحض على حسن اختيار الأصدقاء ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "مثل الجليس الصالح و جليس السوء كمثل حامل المسك و نافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تشتري منه أو تجد منه ريحاً طيبة ، و نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً نتنة" (19).
و قال عليه الصلاة و السلام : "المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل" (20).
إن كثيراً من جماعات الأصدقاء تنشئ لها ثقافات خاصة و علاقات مقيدة ، إذ يكون تأثيرها أكبر من المؤثرات الأخرى ، لأن التفاعل داخلها يتم اختيارياً و بإرادة حرة عكس ما عليه التفاعل داخل الأسرة أو المدرسة الذي يكون متصفاً بالإلزام ، كما أن الاندماج داخل جماعة الأصدقاء يتم بحرية و سهولة ، و يستطيع الفرد داخلها أن يعبر عن ذاته و ميوله و انفعالاته بيسر و حرية ، بينما يتم ذلك داخل الأسرة و المدرسة تحت إشرافهما و في كثير من الأحيان بإجازتهما ، إضافة إلى أن جماعة الأصدقاء تشعر الفرد باستقلاليته الشخصية و قدرته على اختيار عناصر المجموعة ، و على الرغم من السلبيات التي قد تعتري جماعة الأصدقاء إلا أنها تسهم في الإثراء الثقافي و المعرفي لأعضائها إذا أحسن الواحد منهم اختيار المجموعة التي ينتمي إليها، أو كانت هناك قيم إيجابية مشتركة بين المجموعة .
و قد ساعدت وسائل الاتصال الحديثة من هواتف نقالة ذات قدرات تكنولوجية عالية و شبكات المعلومات و طرق الاتصال التكنولوجية من تعاظم دور الأصدقاء في التأثير الذي تقوم به مجموعاتهم ، و لعل المنتديات على شبكة الإنترنت تمثل نموذجاً لما يمكن أن تؤثر فيه وسائل الاتصال الحديثة من أدوار لمجموعات الأصدقاء ، ففي دراسة حول اتجاهات الشباب الخليجي نحو وسائل الإعلام ( الحمود و آخرون )أجاب 35% من العينة التي تم استقصاء آرائهم بأنهم يشاركون المنتديات على شبكة الإنترنت بصفة دائمة ، كما أجاب 25% أنهم يتابعون ذلك أحياناً ، أي أن الذين يتابعون هذه المنتديات يبلغ 60% من عدد المشاركين . و المتتبع لهذه المنتديات يجد أنها قد طورت علاقة الأصدقاء من علاقة مباشرة إلى علاقة واسعة ممتدة لا يمكن أن توضع لها حدود و لا يتوقف تأثيرها على مستوى معين أو فئة معينة ، بل يمكن أن تمتد إلى مساحات واسعة من التأثير ، و لا أدل على ذلك من أن 26% ممن تم استقصاء آرائهم في الدراسة السابقة أجابوا بنعم حين تم سؤالهم عن تأثير المنتديات في نشر ثقافة التفرقة الطائفية أو القبلية، كما أجاب 47% بـ أحياناً ، أي أن الذين يرون أن المنتديات تسهم في نشر هذه الثقافة هم 73% !! مما يشير إلى أهمية دراسة ظاهرة الصداقة الإلكترونية !!(21) .
1.5. : المؤسسات المجتمعية :
إن طلاب المؤسسات التعليمية و طالباتها يأتون إليها و هم محملون بكثير من القيم الثقافية التي تلقوها من مؤسسات المجتمع و مكوناته المتعددة ، و تستمر معهم هذه القيم في مرحلة دراستهم ، بل تزداد رسوخاً من خلال تأكيد الدراسة على هذه القيم أو أنها تتعرض للتهذيب و التوجيه من خلال ما يتلقاه الطلاب و الطالبات على يد أساتذتهم و في مؤسستهم التعليمية و التربوية .
و لعل أبرز مؤسسات المجتمع تأثيراً في الثقافة ، هي المؤسسات الدينية كالمساجد و المراكز الدعوية و هيئات الإفتاء و وزارات الشؤون الإسلامية و غيرها من المؤسسات الدينية التي ترسم إطاراً محدداً لكثير من التصورات و الثقافات التي يتلقاها الطلاب و الطالبات ، و يمتد تأثيرها إلى كافة أطياف المجتمع ، و لقد توسع هذا الدور و أصبح مصدراً ثقافياً مهماً خاصةً في جوانب معرفة الأحكام الشرعية ككثير من أمور العبادات و المعاملات و الحياة و تزكية النفس و تهذيبها ، و لبيان مواقف الإسلام من القضايا العامة أو للرد على الشبهات و التحديات التي تواجه المسلمين أو لغيرها من مكونات الثقافة العامة للفرد . و قد تزايد دور هذه المؤسسات في السنوات الأخيرة من خلال استخدام وسائل جديدة كالأشرطة المسجلة أو أشرطة الكمبيوتر المدمجة (C.D) أو الكتيبات الصغيرة أو استخدام شبكة الإنترنت بل استخدام الرسائل الهاتفية القصيرة .
إن كثيراً من الطلاب و الطالبات يبنون آراءهم و يتخذون مواقفهم من خلال التأثير الثقافي لهذه الوسائل مما يعني أهميته دورها في رسم السلوك و القيم لدى هؤلاء الطلاب و الطالبات ، خاصة و أن هذه المؤسسات تحظى بالرضا و القبول لدى متلقي رسالتها الثقافية لارتباطها بالمشروعية الدينية المعتمدة على النصوص و الأدلة الشرعية .
و من مؤسسات المجتمع المؤثرة ثقافياً المراكز و الأندية الثقافية و الأدبية و الجمعيات الاجتماعية التي تنتشر في بعض الأقطار ، إذ تشكل هذه المراكز و الأندية مصدراً تثقيفياً لعامة أبناء المجتمع ولطلبة وطالبات المؤسسات التربوية و التعليمية من خلال البرامج الثقافية والأدبية كالمحاضرات والندوات والمؤتمرات وكذا نشر الكتب والدوريات والمجلات وغيرها من البرامج التي تُقدم و يتم تنفيذها سواء كان ذلك في ذات المركز أو النادي أو الجمعية ، أو يتم تقديمها في المؤسسات وفق برامج مشتركة بينهما .
لقد أصبح للمؤسسات المجتمعية دور كبير في الثقافة التربوية وأصبح من الضرورة أن يتكامل ما تقدمه هذه المؤسسات مع ما تقدمه المؤسسات التربوية و التعليمية
تكامل أم تناقض ؟
لا شك أن العلاقة بين الثقافة التربوية و الثقافة الإعلامية ستبقى قضية مجتمعية عامة و ميداناً للدراسات و البحوث المتخصصة ، لما لهذه المسألة من علاقة مباشرة بالمجتمع و الحياة و لما لها من تأثير مباشر كذلك على العملية التعليمية و التربوية لا في داخل المؤسسات التعليمية فقط بل على كافة المؤسسات التربوية بدءاً من الأسرة و انتهاءً بالمجتمع الذي يسهم إسهاماً كبيراً في العملية التربوية .
لقد\ انشغلت المؤسسات البحثية و المعنية بالتربية ـ خاصة ـ بعدد من الأنشطة التي تعنى بذلك فبين مؤتمر و ندوة و دراسة و حوار التقت جميعها على أن العلاقة بين الطرفين ليست تكاملية كما أنها ليست تناقض كذلك ، بل إن العلاقة تعتريها كثير من المؤثرات و الأسباب التي تجعل هذه العلاقة ليست كما يجب أن تكون عليه (التكامل) و ليست كما توصف (التناقض) ، لقد بدا واضحاً في كثير من الأنشطة التي تبحث في طبيعة العلاقة سعة الهوة التي تفرق بين الفريقين ، فالتربويون ينظرون إلى الإعلام باعتباره قوة مؤثرة في العملية التعليمية من خلال ما تحتويه المادة الإعلامية التي تبثها أجهزة الإعلام ، و وصلت العلاقة بينهم و بين الإعلاميين إلى التناقض أو الدعوة إلى القطيعة إذ ما يزال كثير من التربويين يحذرون من الآثار التي تخلفها وسائل الإعلام على الطلاب و الطالبات و على العملية التربوية بمجملها .
و هم بذلك يؤسسون لعلاقة القطيعة ، مع ما لهذه العلاقة من أثر سلبي على الطلاب و الطالبات الذين سريعاً ما يلتقون بالإعلام حال مغادرتهم المؤسسة التعليمية إذ تتلقاهم أجهزة التلفزيون عند دخولهم منازلهم و تجرهم منتديات الدردشة على شبكة الإنترنت إليها في جلسات تمتد لساعات طويلة ، ثم ما يلبث الطالب أو الطالبة أن يعود في اليوم التالي إلى مؤسسته التعليمية ليتلقى سيل النقد و التوبيخ لوسائل الإعلام ، مما يجعله يعيش حالة من الانفصام النكد الذي يؤثر سلباً في علاقته بكلا الجهتين خاصة حين تتغلب الرؤى التربوية ـ و هذا ما يحدث غالباً ـ في رسم صورة الثقافة الإعلامية ، فينتقل الفرد من التصرف الطبيعي في علاقته بوسائل الإعلام إلى رؤية جديدة يتجاذبها طرفان ؛ إما الرفض المطلق لكل ما يقدم في الوسيلة الإعلامية أو الانغماس المطلق في ما تقدمه هذه الوسيلة ، و لعل مرجع ذلك غياب الروح النقدية المتوازنة ، إذ أن التربويين غالباً ما ينظرون إلى الإعلام من خلال ما تقدمه شريحة محددة فيه ، و هي القنوات الفضائية التي لا تضع ضوابط لمحتواها الإعلامي ، أو حتى من خلال بعض البرامج التي تقدم في قنوات تتسم بالتوازن و الاعتدال ، لكنها في بعض برامجها تفقد هذا الاعتدال!! فسريعاً ما تتجه نحو البرامج الهابطة أو غير ذات مردود تربوي إيجابي ، إن غياب نظرة التوازن في التعامل مع الوسيلة الإعلامية قد يدفع بالجيل الجديد إلى مواقف متطرفة و متشددة أو منحلة و منحرفة .
إن عودة العلاقة إلى صورتها الطبيعية بين المؤسستين سيجنب الأوطان كثيراً من المشكلات الاجتماعية والفكرية ، بل سيرفد المجتمع بعدد من البرامج التي تخدمه وتعمل على تطويره " فقد قامت عديد التجارب في العديد من البلدان لتوظيف وسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة محدّدة. وحظيت هذه التجارب أحيانا بدعم من قبل بعض المنظمات الإقليمية والدوليّة. وهكذا تمّ استغلال وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية في خدمة حملات منظمة لمحو الأميّة. كما انتظمت حملات مشابهة لفائدة المجتمعات القرويّة أو الريفيّة وغيرها. وتمّ توظيف وسائل الإعلام أيضا في خدمة التربية الصحية والغذائية أو في خدمة الإرشاد الفلاحي أو في خدمة أغراض تنموية أخرى.
وبالرغم من هذه الاستعمالات المتعدّدة والمتنوّعة لوسائل الإعلام في خدمة أغراض تربويّة، فإنّ الجدل بقي قائما بين المربين والدارسين حول الجدوى الفعلية لوسائل الإعلام في العملية التربويّة.
وبقي التساؤل قائما حول مدى تجانس أو تناقض المؤسستين التربويّة والإعلاميّة. على أنّ طرح الإشكاليات المتعلّقة بالعلاقة بين المؤسسة التربويّة ووسائل الإعلام أصبحت تفرض ذاتها في الوقت الراهن، فقد أحدثت الثورة التكنولوجيّة في مجال الإعلام والاتصال تحوّلا جذريا في طبيعة العلاقة بين التربية والإعلام.
ويتمثل هذا التحوّل في استعمالات المؤسسة التربويّة للتقنيات الجديدة للإعلام والاتّصال كأدوات بيداغوجيّة لإكساب عملية تبليغ المعرفة مزيدا من النجاعة، كما أنّ وسائل الإعلام أصبحت في حدّ ذاتها محورا للعمليّة وضمن برامج التعليم في المدرسة(33).
أما الإشكالية الثانية التي تبدو في العلاقة بين الطرفين أن هناك حالة من الانبهار بوسائل الإعلام و تأثيراتها إذ أن التطور السريع و المتنامي لأجهزة الإعلام و تنوعه محتواها و تعدد مضمون رسالتها الإعلامية جعلها أكثر قرباً من الإنسان بل أكثر تأثيراً ، خاصة و أنها تستخدم مؤثرات عدة على حواس الإنسان بين السمع و البصر و الإدراك بالعين الباصرة ، كما أن صفة التشويق تجعل من الوسيلة الإعلامي أكثر جذباً و أكثر تأثيراً كذلك .
إلا أن الملاحظ أن طبيعة العصر و سرعة التغيير التي فرضت نفسها على الوسيلة الإعلامية جعلت من أثر هذه الوسيلة ، أثرا قصير المدى ، فالتأثير الإعلامي في تكوين اتجاهات للرأي العام لم يعد كما كان عليه قبل عشر سنوات مثلاً ، فالمعلومة أو التحليل أو الخبر أو حتى المضمون الثقافي الذي تحمله الوسيلة الإعلامية سريعاً ما يتغير لا بسبب مصداقيتها فقط بل بسبب تعدد هذه الوسيلة ، فالخبر الذي تأتي به صحيفة أو مجلة قد تنقضه أو تكذبه صحيفة أخرى ، و التحليل الذي تعرضه قناة فضائية يخالفه تحليل آخر في قناة أخرى ، و لا يثبت في ذهن المتلقي للرسالة الإعلامية كحقائق ثابتة إلا تلك المعلومات الوثائقية أو الأخبار القطعية ، و بذلك فإن تأثير الثقافة الإعلامية ـ بصفة عامة ـ ليست تأثيراً ثابتاً بل هو متغير ، أما الثقافة التربوية فهي أبطأ من حيث تأثيرها لكنها أكثر استقراراً و ثباتاً خاصة و أن عمليات التغيير في العملية التربوية ـ بطبيعتها ـ بطيئة و ذات مدى زمني طويل مما يجعل منها ـ في الغالب ـ مرجعية ثابتة للإنسان بدءاً من مراحله التع