بسم الله الرحمن الرحيم
المعلم بين الأمس واليوم
رؤية : هل يمكن أن نعيد للمعلم مكانته؟، ونحفظ له كرامته؟، ونغرس في طلابنا محبته؟.
قال الله تعالى : (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء)وقال صلى الله عليه وسلم : " وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع)
وقال الشاعر:
قالوا عن التعليم صنعة مفلس قعدت به النكبات عن إمداده
ونسو بأن الله علّم آدم جلّ الإله معلما لعباده
والأنبياء معلمون تراثهم علم شفى الإنسان من إلحاده
المعلم بالأمس
شخص ذو مكانة اجتماعية , لا يجرؤ أحد على التطاول عليه [ طالب / ولي أمر / صحفي / ناقد / حاقد ] كفلت له وزارة المعارف (سابقا) حقّه كاملاً غير منقوص , ينعم بمدرسة "طويلة الأجل" يحوي كل فصل من فصولها نيفاً وعشرين طالباً , لا تبعد عن منزله إلا دقائق معدودة , ثم يعود منها ليمضي ما تبقّى من يومه بين أهله وذويه، قلبه متعلق بطلابه منشغل بمدرسته، فهو أب لأولئك الطلاب مخلص لذلك الكيان.
وضعو بصمتهم فكانت راسخة في أذهان أبنائهم فكانوا مربين بكل ماتعنيه الكلمة، وكانت المخرجات رائعة لا تحتاج لمزيد تطوير أو تهذيب..
المعلّم اليوم
شخص جُرّد من كافة الصلاحيات, فهو ممنوع من [ إيقاف الطالب / ضربه / تأنيبه / إخراجه خارج الفصل / خصم درجاته / تهديده بخصم الدرجات ] أُقحم بعد أن بُتر جزء كبير من مرتّبه وسلبت كثيرمن حقوقه بين أربعين طالباً أو يزيدون, فبات حائراً بين تنظيم وإدارة هذا الكم الهائل من الطلاب، وإيقاظ متوسّدي الطاولات "في ظل انعدام الهيبة والصلاحيات" ،وبين شرح الدرس، فأصبح أشبه مايكون بآلة يطلب منها النتاج (مخرجات) في ظل غياب كثير من المقومات، فماذا عساها أن تنتج؟
ولكم أن تتصوروا ما لهذا الموقف من أثر نفسي سيء للغاية ومردود محبط لا يعرفه إلا من تجرّع مرارته .
الطالب في الماضي
شخص تغلب عليه البراءة , يُسمع لأسنانه اصطكاك مُزعج عندما تُذكر المدرسة في حضوره , فالمُعلم من أمامه , ووليُ أمره من خلفه , فويلٌ له ثم ويلٌ له إن ضرب بواجباته عرض الحائط , تتردد على مسمعه دائماً "لكم اللحم ولي العظم" فيحرص على الاهتمام , ويهرع إلى حلّ واجباته ومذاكرة دروسه بمجرد عودته إلى المنزل , فالملهيات قليلة إن لم تكن معدومة عند البعض , ناهيك عن الأدب الجمّ والخلق الرفيع . فقد قيل "لا تعلّم إلا برغبة ورهبة" والرغبة مفقودة منذ الأزل"إلا من رحم ربّي", فحلّت الرهبة محِلّها .
الطالب اليوم
شخص تغلب عليه "اللكاعة" , لا يجد في المدرسة إلا مكاناً للنوم , ولا يرى في المُعلّم إلا وسيلة للتسلية والضحك , وآلة لجسّ النبض والاستفزاز والتهكّم , وحُق له أن يفعل , فالماثل أمامه (المعلم) ممنوع من كل شيء ،وليس لديه أي صلاحية تخوّله حتى للدفاع عن نفسه إلا في حال طرحه الطالب أرضاً، عندها يُسمح له بالدفاع , والدفاع فقط !!!
------------------------------
بعد هذه المقارنة المختصرة والتي تعمّدت فيها أن أجتنب الإسهاب ما استطعت, أترك لكم الحكم في تحديد مكمن الخلل.
عندما يُركل المعلّم الخمسيني بقدم أحد الطلاب إلى خارج الفصل من المسؤول عن هذا ؟
عندما يتكرّر تهجّم الطلاب على بعضهم البعض بالعصيّ والسكاكين والخناجر أمام طاقم المدرسة من معلمين وإداريين دون أي اعتبار لأحد، من هو السبب في ذلك ؟
هل هو المعلم الغارب؟, الذي قدر له أن يكون بهذه الهوية ؟
أم هو الطالب الذي تُرك له الحبل على الغارب, فلم يعد هنالك ما يخشاه ؟
أم تراها وزارة التربية والتعليم التي قولبت التربية والتعليم بهذا القالب ؟
أم هي الأسرة والمجتمع !!
مقارنة
بين المعلم بالأمس والمعلم اليوم
لو عقدنا مقارنة بسيطة بين معلمينا القدماء وبين معلمي الجيل الحاضر لوجدنا البون الشاسع
* فمعلم الأمس يعين على المستوى الخامس
واليوم يعين على المستوى الثاني لسنوات عجاف والله يعوضه في الخمسين ألف التي سيدفعها من جيبه مصاريف مناطق نائية
* معلموا الأمس لم يكونوا يعرفون صورة التعاميم ويخبرني أحد الزملاء القدامى بأنهم كانوا يتحلقون في غرفة المدير عندما يصلهم تعميم مظنة أن يكون به شيء مهم أو عاجل ويقول: كنا نجلس بالأشهر دون أن يصلنا تعميم
أما معلم اليوم فلا يمر يوم أو يومان دون أن يوقع على العشرات من التعاميم التي تحمل التهديد والوعيد والتكليف بأعمال وأنشطة لا حصر ولا نهاية لها
*معلم الأمس معلم له الاحترام الأعلى في مجتمعه الذي يعيش فيه أو يدرس في مدرسته محفوظ الكرامة مقدّم على أي شخصية أخرى
أما معلم اليوم فلا كرامة له بلا شرعت اعتي القوانين وأقساها من نقل وحسم وفصل في حال ارتكب أي هفوة أو تعرض لأي طالب ولا عجب أن نطالع بشكل دوري في صحفنا حوادث الاعتداء على مربى الأجيال في مقابل صمت مطبق من الوزارة والمجتمع فالكل يتشفى في هذا المعلم المغلوب على أمره، فهل نرجو من مثله نوالا؟
معلم الأمس لا تمر سنة أو سنتان على تعيينه إلا وقد نقل إلى اقرب مدرسة من بيته
أما اليوم فعلية أن ينتظر السنوات الطوال والكل يعلم أن هنالك زملاء أمضوا في الخدمة سنينا وهو لم يعرف الاستقرار في حياته والعودة إلى العيش بجوار أسرته!
....المعلم وما أدراك ما المعلم .....
ذاك الذي نذر حياته لتعليم أبناء من أجيال تختلف عن جيله
المعلم
ذاك الذي قال عنه الحبيب صلوات الله وسلامه عليه ..: (( العلماء ورثة الأنبياء ))
هو ذاك الذي قال عنه أحمد شوقي في قصيدته :
قم للمعلم وفه التبجيلا ....... كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمت أشرف أو أجل من الذي ..... يبني وينشئ أنفسا وعقولا
وقال فيه أحدهم :
يا صانع الأجيال ما كانت لنا *** من غير صُنعك راية بيضاءُ
لولاك ما كان الخطيب مفوهاً *** ولما تغنى في الهوى الشعراءُ
وقال الآخر :
إني أرى التدريس أشرف مهنةٍ *** تبعـاته من أثقل التَبِعاتِ
فليتق الله الـمدرسُ دائـماً *** فيمن يُدَرِّسُه من الفلذات
في الماضي كان المعلم ذاك الإنسان المحترم
إذا نطق المعلم فلا تسمع همسا
إذا دخل المعلم يرد على تحيته بأحسن منها
وبمجرد رؤيته في مكان عام
تقع هيبته في النفوس وربما يفسح له الطريق، لمَ؟ لأنه معلم
هذه صور كلها من الماضي
والآن فلنستعرض بعض صور الحاضر
المعلم يتوجه نحو فصله وما إن يدخل حتى يتافاجأ بخمسة طلاب فقط من الفصل، والباقون ؟؟؟
يدخل المعلم الفصل يلقي السلام فلا يرد عليه إلا الكراسي والجدران
يبدأ المسكين بشرح الدرس فتبدأ التعليقات والضحكات والكلمات وهم في وادي وهو في وادي
منتصف الحصة
يرجع بقية الطلاب للفصل
أين كنتم ؟؟
الجواب : وما دخلك أنت ؟ ؟
والويل لك لو تتكلم يا معلم فإنك ستذهب في داهية !
تقارب الحصة على الانتهاء
منظر الطلاب مزعج جدا
أحدهم واضع رأسه على الطاولة ويغط في نومه
الآخر مستدير للخلف ويتكلم مع من زميله
............ وهلم جرا
وبمجرد سماع صفارة انتهاء الحصة تدخل الكتب الحقيبة والمعلم لم ينته من الدرس
إلا ما رحم ربي
هذا إذا كان معهم كتب أصلا
أما إذا كانت الحصة الثالثة
فإنك تجدهم يخرجون والمعلم واقف يشرح
وهل ينتهى أذاهم للمعلم عند هذا الحد؟؟
كلا .. بل إذا خرج المعلم من المدرسة
وإذ بكفرات سيارته غير موجودة !!
أو زجاج سيارته مكسور !!
أو لا يكاد يرى ملامح السيارة من كثرة الكتابات عليها !!
وكثير كثير من هذه الأمور
وتعدى ذلك كله
بأن وضعوا لكل معلم لقبا
برأيكم ما السبب في انتشار هذه الظاهرة ؟؟
والتي جعلت المعلمين بعد أن كانوا حفاظا لقصيدة شوقي : قم للمعلم
أصبحوا يحفظون :
قف للطالب وفه التبجيلا=سلبت حقوقه ولم يجد دليلا
فلا تقف(ن)للمعلم فإنه=جعل من الطالب شيئاً رذييلا
يدور بين الفصول كأنه=ملك الملوك بل طفلاً هبيلا
أين عقلك يابن شوقي حينما=مدحته بأبيات طويلا
هل في زمانك للمعلم قيمة=ففي زمني منهم قليلا
معلم الأجيال ذهب جيله=وجاء جيل النصب والتمثيلا
ملك الغرور بل الغرور ملكه=خسئ المعلم أن يكون رسولا
هل السبب وراء ذلك
المعلم نفسه ؟ .
أم الإعلام ؟ .
أم المجتمع ؟ .
أم الوزارة ؟.
أم هي كفايات ومخرجات فلسفة التربية والتعليم الحديثة؟
وقد انتشرت في الفترة الأخيرة قصيدة تشرح للطالب كيفية التعامل مع أستاذه
وسأوردها هنا من باب ناقل الكفر ليس بكافر، ولإدخال شيء من الفكاهة :
قم للمعلم يا بني عجولا***واضربه حتى يرتمي مقتولا
هاجمه بالكرسي واكسر رأسه***فالرأس كان مخرفا وجهولا
وإذا افتقدت من الكراسي عدة***أشهر عليه الساعد المفتولا
والطمه فوق الوجه لطما موجعا***حتى ترى للدمع فيه مسيلا
وإذا رأيت بوجهه نظارة***عاجل ( ببوكس ) يرفض التأجيلا
وعليك بالأسنان حطم نصفها***كي لا ترى عضا ولا تقبيلا !
وعليك بالثوب العليه فشقه***شقا .. ليمشي عاريا مخذولا
واجثم عليه .. كليث غاب جائع***واستدع صحبك إن شكوت خمولا
قوموا عليه وحاصروه وحاذروا***أن ترحموه إذا استغاث طويلا
إن الثقافة يا بني تحرر *** فعلام ترضى أن تكون ذليلا ؟
والتربويون الكرام تأملوا***في الأمر .. حتى أبدعوا التحليلا
قالوا دعوا الأولاد نخشى أنهم*** ( يتعقدون ) فيذبلون ذبولا
( وفرويد ) عالم النفس أعلن أنه***من عقد الأولاد هد الجيلا
الضرب يؤلمهم ويؤذي روحهم***الضرب ميراث القرون الأولى
والتربويون الكرام .. مرامهم***أن يمتعوكم بكرة وأصيلا
من شاء مزحا .. فالمدرس نكتة***أو شاء لعبا .. أحضر ( الفوتبولا )
أو مل درسا فليفارق درسه***من ذا يريد لك البقاء ملولا ؟ !
أو رام شتما كي يبل غليله***لا ضير في شتم يبل غليلا !
أو رام دردشة فذلك شأنه*** إن السكوت يعلم التغفيلا
إن غاب شهرا فالغياب فضيلة***وغدا السؤال عن الغياب فضولا
لا بأس إن دخل المدارس طالب***بسيجارة أو جاءها مسطولا
فالتربويون العظام شعارهم***لا ترهقوهم أنفسا وعقولا
والتربويون الأباة قرارهم***من مس ابنا يرتمي مفصولا
فلا حول ولا قوة إلا بالله