(قراءات بين معلم اليوم ومعلم الأمس)
المعلم وما ادراك مالمعلم تلك الشمعة التي تحترق كما يسميها البعض، ولكني أراها شمعة كلما احترقت زادت اشتعالاً لتنير من حولها لكي يبصروا النور في طريق الأمل حتى تشرق شمس المعرفة بمجداف العمل .
ذلك المعلم الذي يشكل عجينة خلقها الله سبحانه وتعالى جل في علاه هينة لينة تتشكل وفق ما يراها ويبتغيها متطوعة في يديه حتى يخرجها من ظلام دامس إلى شمس مشرقة يسقيها منهلاً من العلم لا ينضب فيخرج مخرجات تعليمية تقاس نواتجها على المدى الطويل حينما تخرج لتتنفس رئة سوق العمل ،
كل شيء يمكن قياسه على الزاوية القريبة عدا المتعلم والمعلم فالمعلم يعطي ويبذل قصارى جهده سواء كان منهجا قد أسند أمانة له وعليه القيام بها أم بما يحويه عقله وعصارة فكره من معلومات خارجية كان قد نهلها واستقاها ، فلا يمكن أن نقيس نجاح المعلم والمتعلم إلا من خلال مستوى الطالب على المدى البعيد بعد ان يكون قد اعتلى مراتب الشرف وفتحت له ارقى الجامعات وفق التخصص الذي يرغبه ويتماشى مع سوق العمل هنا نقول بان المعلم أحسن صنعا والطالب أحس عملا والوطن زاد رقيا من خلال هذا الاستثمار الحي في رأس المال البشري ، المعلم من الصعب ان يشعر به أي شخص وبما يبذله من جهد إلا كل من تنفس وولد في الحقل التربوي ولبس عمامة العلم وأمسك بالقلم السبوري الحديث أو الطبشور قديما كعصى جعل من الطالب أن يتعكز عليه . فمعلم اليوم قد اختلف عن معلم الأمس والعملية التعليمية في جوهرها ومضمونها قد اختلفت عن ماضي سابق كان الطالب فيه يقوم بترديد ما يصيغه المعلم من عبارات . فاليوم الطالب هو محور العملية التعليمية والمعلم هو المشرف على سير هذه العملية ، نحن نتفق على ان المعلم هو المعلم ولكن يتفاوت المعلم في طريقة التدريس والعطاء وفي أساليب التدريس التي يقوم بها . فهناك معلم لا يعدوا كونه ملقنا والطالب من خلفه كببغاء وإن كلف خاطره في يوم ما أحضر وسيلة ورقية لا تعدوا تخرج من دائرة الغلاف والكتاب . يردد ما هو موجود في منهاجه ولا يخرج خارج نطاق غلافه ليرى ماذا موجود في زاوية العالم الخارجي !!!وهناك معلم يبحر بطلابه إلى أبعد من ذلك فيلبسهم عمامة التحديات والصعاب لمواجهة المشكلات فتراه تارة مزروعا بين أروقة الكتاب وتارة يبحث من خلف جدران المكتبات كخلية نحل تبحث لها عن زهرة تضع فيها رحيق العسل فينمي نفسه مهنيا ، فهناك فروق فردية بين معلم وآخر .كما ان معلمي اليوم والطلاب يواجهون تحديات اختلفت عن الماضي فطلاب الماضي كان كل همهم فقط اخذ الحصة وكتابة الواجب ومن ثم العمل وقت المساء في الحقول والمزارع بأسلوب بدائي حسبما كان متوافراً لديهم فلا ينظرون إلا من خلال زاوية القرية التي يعيشون فيها .أما معلم اليوم وطالب اليوم فقد أصبح يواجه تحديات جسيمه وأتيحت للمعلم وسائل تعليمية حديثة وتقنيات متنوعة كأجهزة عرض الشفافيات وجهاز العرض الرأسي والتلفاز وأجهزة الفيديو والكاميرات الرقمية وأصبح الطالب يتحدى المنزل والأسرة ومعلمه ومجتمعه فسافر عبر شواطئ الإنترنت والشبكة العنكبوتية إلى أبعد مدى وأصبحت المعلومة في يده تصله إلى قعر داره بل إلى جدران غرفته التي يعيش فيها على صوانئ من الفضة وأطباق الذهب قبل أن يصل إليها معلمه فيتحداه بها ، وإن لم يقطف ثمرتها المعلم لم يتسنه للمعلم السبق واللحاق بالطالب ،فمن هنا رسالة تربوية هامة وهي أن العلم ليس طالب وكتاب ولا غرفة محصورة بين أسس وجدران ، وإنما هي السفر والإبحار إلى عالم اليوم بما يتماشى ثقافة المجتمع ومبادئه وقيمه وتطويع العلم وفق الزمان والمكان الذي نعيشه ونعايشه لا أن نقف من حيث وقف معلم الأمس الذي كان يتعكز على أسلوب التقليد في طريقة التدريس وخصوصا أن اليوم نرى بـأن المجتمع ينظر للمعلم نظرة دونية تختلف عن سابقتها من حيث قداسة المعلم ووضعه في درجة الأنبياء والرسل ، وعلى المعلم أن يغير نظرة المجتمع هذه ، لذلك لزاما على المعلم ان ينطلق لمواجهة هذه التحديات ويصبر على أداء رسالته بالطريقة الحديثة التي يعيشها اليوم في هذا العصر الذي أصبح فيه العالم قرية عالمية صغيرة.