ضرورة تطوير آليات النشاط المدرسي
ظلت مدارسُنا تَعرِف ممارسةَ النشاط المدرسي عن طريق تكوين جماعاتٍ نوعية تمثِّل مناحيَ النشاط الثقافيِّ والفني والرياضي والكشفي والعلميِّ، وربما البيئي أو الصحي؛ مِن خلال تشكيل جماعات لكل منها، يُشرِف على كل جماعة رائد (مُدرِّس) يقوم بعقد الاجتماعات مع الطلاب المشاركين في الجماعة، التي غالبًا ما تكون وقت الفسحة المسموحة، وتوجيههم وتدريبهم على ممارسة البرامج أو التجارب أو الفعاليات النوعية المتعلِّقة بنوع النشاط المختار.
وربما ارتأت إداراتُ المدارس أن هذا الأسلوبَ في ممارسة الأنشطة اللاصيفية هو الأنسب للطلاب؛ بحيث لا يُحملهم عبء حصص إضافية أو وقت إضافي لا يَميل معظمُ الطلاب وأسرهم أن يتحملوه، أو لا يُقدِّرون مراميَه النفسية والسلوكية على شخصية الطالب.
ويُترك للمُعلِّم (الرائد) تفعيل جماعته بالوجه الذي يراه ضِمن السياسة العامة للمدرسة، بشرْط إخراج منتج يُمثِّل جماعتَه النوعية، ويعبِّر عن النشاط الذي تمارسه، والذي تقوم الإدارة بتقييمه ومدى تحقيقه لأهداف العملية التربوية مِن جهة، وإفادته لسُمعة المدارس والصورة الذهنية عنها أمام المجتمع وأولياء الأمور مِن جهة أخرى، ومِن ثمَّ يتمُّ المكافأة على هذا النشاط.
وقد يكون المُنتج الذي تقدِّمه عمل جماعة النشاط داخليًّا كلوحات ومجلات حائطية، أو أسبوع متخصِّص في نوعية النشاط، أو إذاعة متخصِّصة في يوم محدَّد، وإما يكون بتحقيق إنجاز مِن خلال مشاركة في مسابقات أو معارض خارجية محلية أو إقليمية أو دولية.
ورغم ما تَنطوي عليه الطريقة التقليدية مِن إيجابيات في حالة تفعيل الجماعة بشكل جدِّي وحقيق، وليس بشكل صوريٍّ لاستيفاء الشكل العام أو تجميل الصورة الذهنية عن المدرسة، فإن واجب الوقت الآن يَستدعي تخصيص وقت مُحترَم لممارسة الأنشطة اللاصيفية داخل اليوم الدراسيِّ أو الأسبوع الدراسي على الأقل.
أهداف النشاط المدرسي:
نحتاج لإعادة تحرير النشاط المدرسيِّ، وبالتالي إعادة صياغة آليات جديدة في ممارسته وتفعيله، ومِن أهمِّ الأهداف التربوية للنشاط المدرسيِّ:
1- تعزيز الثِّقة في النفس وتحقيق الذات.
2- ترجمة القيَم التربوية عمليًّا (روح الفريق - الدقَّة في العمل - تحمُّل المسؤولية).
3- ممارسة مهارات التعلم الذاتي.
4- التدريب على إتقان العمل بجهد أقلَّ ووقت أقصر.
5- إكساب الطالب مهارات حل المشكلات، وكيفية التخطيط لأيِّ مشروع.
6- مساعدة الطالب على اكتشاف قدراته وميوله ومواهبه، والعمل على صقلِها.
7- ممارسة التفكير العِلمي، والقدرة على التجديد والابتكار.
8- تذوق الفنِّ والإحساس بالجمال.
9- نقْل الطالب مِن ثقافة الذاكرة إلى ثقافة الإبداع.
هذه الأهداف الإجمالية والمركزة تحتاج إلى استحداث برامجَ تتماشى مع الثورة المعرفية، والتطور التكنولوجي الهائل، وسرعة الاتصالات، وانفتاح العالم على بعضه حتى غدا كقرية صغيرة، والتمايز العِلمي والمعرفي الذي أصبح الحاكم في تصنيف الشعوب والدول.
نحتاج بالفعل لرصد مدى الإفادة التي تُقدِّمها برامجنا في ممارسة الأنشطة اللاصيفية، ومدى تغييرها وتحسينها لأداء وسلوكيات الطالب في المدرسة وفي الأسرة وفي المجتمع.
يوم النشاط أو حصص النشاط:
اتَّجهت بعض المدارس لاستحداث تغييرٍ جوهري في جداولها التعليمية: البعض منها خصص يومًا أسبوعيًّا لممارسة النشاط بالتبادُل بين الصفوف أو المراحل الدراسية.
يقوم الطالب - اختياريًّا عن طريق استبانة - بالمرور على مجموعة من المناشط والبرامج الثقافية، والمهنيَّة، والإعلامية، والفنية، والعِلمية، والصحية، والبيئية، والمهارات الحياتية، والتي تم جلب مراكز متخصِّصة أو مدرِّبين متخصصين لتدريب الطلاب عليها.
بعض المدارس الأخرى خصَّصت حصتين على الأقل أسبوعيًّا، سواء في بداية اليوم الدراسي أو نهايته، لممارسة هذه الأنشطة اللاصيفية.
هذه الطريقة تحتاج لإدارة مُتفرِّغة، كلُّ همِّها التخطيطُ ووضع الأهداف لكل مرحلة سِنِّية، ومدى مناسبة الأنشطة لها، ومتابعة تنفيذ الخطط والبرامج، والاتفاق مع المراكز المتخصِّصة، ومتابعة الجديد في عالم الأنشطة المدرسية والحياتية، وجلبها إلى عالم المدرسة، وقياس التأثير الذي تُحدِثه الأنشطة والبرامج اللاصيفية في شخصيات الطلاب، ورصد حالات النجاح والإنجاز في هذا المجال.
إن إدارة النشاط المدرسي يَنبغي أن تعمل على تحقيق رسالة مضمونها: "نشاط ذو جودة عالية، وبيئة تربوية شائقة؛ لإعداد شخصية قيادية متوازنة"، وتَنطلق برؤية واضحة؛ لإيجاد: "نشاط مُمتِع، لبناء طالب مُبدِع".
برامج جديدة للنشاط المدرسي:
تتَّجه المدارس الحديثة - بالإضافة للأنشطة التقليدية مِن جماعات ورحلات وزيارات وإذاعة ومسابقات والحفلات والأيام الترفيهية - إلى تطوير هذه المناشط وإعادة إنتاج محتواها، واستحداث برامج جديدة تُناسب التطوُّر العِلمي والمَعرفي والاجتماعي.
فعلى سبيل المثال لم تعد الإذاعة المدرسية تَقتصِر على الطابور الصباحي أو الإلقاء المباشر أمام الطلاب، بل أصبح هناك أستوديو مُتخصِّص لإنتاج إذاعة مرئية، يتمُّ بثُّها في جميع فترات الفُسَح، من خلال شاشات عرض موزَّعة في جميع المراحل أو الصفوف، وبالتالي يتم تدريب جماعات وفرق الإذاعة على مواجهة الكاميرات وعمليات التقطيع والتركيب (المونتاج)، وغيرها من المراحل الفنية للإنتاج الفني.
وفي نفس المجال يتم استحداث دورات متخصِّصة في التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني ومبادئ التحرير الصحفي (فن المقال - الخبر - التحقيق)، ومبادئ التسويق الإلكتروني على شبكة الإنترنت.
كما لم يعد النشاط العِلمي مقصورًا على "النادي العِلمي" الذي يُمارِس فيه الطلاب بعضَ التجارِب مِن خلال مناهجِهم الدراسية - إن تيسر ذلك - أو على تنظيم مسابقات "أوائل الطلبة" التي يُشارك فيها النابغون فقط، وإن كان لها دور أساسي في تحفيز الطلاب على التحصيل والتقدُّم في علومهم؛ وإنما أصبح "أولمبيادًا" عِلميًّا شاملاً مُتعدِّد المسارات (ابتكارات - بحوث)، وكل مسار له نهجه وآلياته وطرُق عرضِه ومناقشته، بما يَعكس تحقيق مبادئ البحث العِلمي في نفوس الطلاب، ودعوة الطلاب لتقديم مشروعات تَخرُّجٍ حتى في المرحلة المتوسِّطة، وربما جاء هذا التطور مُتناغمًا مع المشاركة في المسابقات والمعارض العِلمية الدولية؛ مثل "آيسف" و"إنتل".
ومِن التجارِب الناجحة في تفعيل النشاط المدرسي تمَّ استحداث ورَش مهنيَّة ومهارية لتعليم بعض المهارات والحرف اليدوية والحياتية عمومًا؛ كورشة الكهرباء والإلكترونيات، وورشة قيادة وصيانة السيارات، وهذه تستهوي طلابَ المرحلة المتوسِّطة؛ لتطلُّعهم لقيادة السيارات، ومن الجميل أن تتم القيادة والتعامل مع السيارات عن معرفة ومهارة ودراية بجوانبها الهندسية والفنية، وليس مجرَّد الهواية.
ومِن الورش الشائقة للطلاب ورشةُ صيانة وبرمجة الحاسب الآلي والروبوت، وهذه من شأنها نقل الطالب مِن مجرَّد مستخدم للحاسب إلى مُفكِّر بمحتوياته وطريقة تشغيله، ولغات البرمجة، وصناعة الروبوت والتحكُّم فيه بما يفتح آفاقًا ابتكارية أمام العقول الناشئة، وأصبح يعقد العديد من المسابقات في هذا المجال محليًّا ودوليًّا.
ومِن البرامج التي يَحسُن استحداثها في النشاط المدرسي برامجُ رُوَّاد المستقبل في كافة المِهَن: "طبيب المستقبَل"، "مهندس المستقبل"، وتَحرص بعض المستشفيات ومراكز البحث والشركات المُتخصِّصة على تفعيل هذه البرامج مع المدارس الثانوية بوجه خاص؛ حيث يتمُّ ترشيح الطلاب المتفوِّقين في مجالٍ عِلمي يجدون أنفسهم وميولَهم فيه، ويُنظم لهم دورات بالزيارة والاطلاع على الأقسام المختلفة وجوانب هذه المهنة الفنية والمهارية والعلمية، وآخر ما توصل إليه العلم والباحثون في هذا المجال، ويتمُّ منح شهادات مشاركة للطلاب، تُفيدهم بعد ذلك في التقدُّم للجامعات في التخصُّصات التي يميلون لها.
ومن البرامج التي يُحاول البعض تفعيلها من خلال النشاط المدرسي برامجُ الخدمة العامة والاجتماعية؛ من خلال التعاقد والتشارك مع الجمعيات الأهلية المُتخصِّصة في مجالات البِرِّ وزيارة المرضى وإعانة الفقراء، وجمع وتدوير الورق والملابس وغيرها من الأنشطة الاجتماعية، والتي تُكسب الطالبَ حسًّا اجتماعيًّا، وتُخرجه مِن العزلة الفردية، وتجعله محبًّا للعطاء والبذل والتطوُّع في أعمال الخير، ويتم منح شهادات مُشاركة في هذه البرامج، تُفيدهم ضِمنَ سيرتهم الذاتية عند التوظيف والتقدُّم للوظائف المختلفة.