التأخر الدراسي .. أسبابه وعلاجه
يواجه التلاميذ واحدة من أهم المشكلات في حياتهم الدراسية وهي "مشكلة التأخر الدراسي" ، حيث يعاني منها: التلاميذ والاَباء والمعلمون على حد سواء، والتأخر الدراسي أو ضعف التحصيل من المشكلات التي لها أبعاد متعددة : نفسية وتربوية واجتماعية. من هنا حظت باهتمام كبير من علماء النفس والتربية والمدرسين وأولياء الأمور. فالـتأخر الدراسي مشكلة نفسية تربوية تعاني منها كل المجتمعات، سواء كانت هذه المجتمعات متقدمة أو متأخرة، لكنها تختلف من مجمع لآخر من حيث الشكل الذي تظهر فيه، ومن حيث الحدة التي تبرز بها ، .... وهكذا من حيث الطرق و الأساليب التي تعالج بها. و التلاميذ المتأخرون دراسيا غالبا ما يعانون من مضاعفات الرسوب الدراسي، و يكون عرضه للتسرب المدرسي الذي يعد الواجهة الرئيسة لإهدار الطاقات و الكفاءات، التي يمكنها المساهمة في النهوض بمختلف قطاعات الإنتاج الوطني لأي بلد.
مفهوم التأخر الدراسي
يوجد أكثر من مصطلح للتأخر الدراسي منها :التأخر الدراسي، التخلف الدراسي، سوء التكيف الدراسي، سوء التوافق الدراسي،التعثر الدراسي. والمتأمل في هذه التسميات يتوهم أن بينها فروقا شاسعة، و هي في الحقيقة لا تعدو أن تكون فروقا طفيفة. لهذا سنختار مصطلح( التأخر الدراسي) بناء على شيوع تداوله بين المربين و الباحثين و الدارسين.
يعرف التأخر الدراسي بأنه حالة نقص في التحصيل، بحيث تنخفض نسبة التحصيل دون المستوى العادي أو المتوسط، لأسباب قد تكون عقلية أو جسمية أو اجتماعية أو انفعالية. ويعتبر التلميذ متأخر دراسيا "إذا ظهر ضعفه بوضوح في الدراسة عند مقارنته بغيره من التلاميذ العاديين من مثل عمره الزمني" . أو هو " التلميذ المقصر تقصيرا ملحوظا في تحصيله المدرسي بالنسبة للمستوى المنتظر من طفل سوي متوسط في عمره الزمني "
ولابد من الإشارة إلى ضرورة التمييز بين مصطلحي : التأخر الدراسي ، والتأخر ألتحصيلي؛ ذلك أن التلميذ المتأخر دراسيا يقارن بمن هم بسنة و في مستواه الدراسي، في حين أن التلميذ المتأخر تحصيليا يقارن بنفسه ( أي تقارن نسبة تحصيله بمستوى ذكائه ) أو بعبارة أخرى بمدى استغلاله لذكائه في عملية التحصيل، فقد يكون التلميذ متأخرا دراسيا و لكنه غير متأخر تحصيليا (مثل التلميذ الذي يستغل كل إمكانياته في التحصيل و لكن هذه الإمكانيات لا تسمح له بمسايرة زملائه. و العكس يصح أيضا حيث قد يكون التلميذ متأخرا تحصيليا لكنه غير متأخر دراسيا ( مثل ذلك التلميذ الموهوب الذي يساير وتيرة التعلم مع زملائه، و لكن نسبة الذكاء الزائدة عنده لا يستغلها في التحصيل).
أنواع التأخر الدراسي
تأخر دراسي عام: ويرتبط هذا النوع بالذكاء حيث تتراوح نسبة الذكاء بين المصابين بهذا النوع ما بين 70 % إلى 85 % .
تأخر دراسي خاص: وهو التأخر الدراسي الذي يكون في مادة معينة مثل الحساب أو العلوم،
مظاهر التأخر الدراسي :
يظهر التأخر الدراسي في عدة صور و أشكال منها :
ـ التأخر العام : و يظهر قي ضعف التلميذ في جميع المواد الدراسية و هو مرتبط بنقص في الذكاء العام حيث لا تتعدى نسبة الذكاء عند تلاميذ هذه الفئة ( 70 إلى 80 ).
ـ التأخر النوعي أو الخاص : ويظهر في ضعف التلميذ في مادة أو بعض المواد فقط، وهو مرتبط بعدم كفاية القدرات العقلية الخاصة؛ كالقدرة الرياضية، أو القدرة اللفظية، أو القدرة الفنية، أو القدرة على الحفظ و التذكر...الخ.
ـ التأخر الفردي : و يتمثل في تأخر تلميذ أو عدد قليل من التلاميذ في قسم دراسي معين، و هو غالبا ما يكون مرتبطا بالظروف الشخصية لكل تلميذ.
ـ التأخر الجماعي : و يتجلى في الضعف العام في قسم دراسي معين، أو في مجموعة من الأقسام، أو في مدرسة، أو ناحية معينة، و هو غاليا ما يكون ناشئا عن أسباب مدرسية أو عن ظروف البيئة المحيطة.
عوامل التأخر المدرسي :
وهي متشعبة ومتفاعلة فيما بينها حيث يصعب تحديد عامل واحد أو بعض العوامل، بحيث يمكن الجزم بأن هذا العامل أو ذاك هو السبب الرئيس والحاسم في إحداث التأخر الدراسي ، إذ ينذر أن يرجع إلى عامل واحد ، فكل العوامل تتشابك وتتداخل وتختلف في نوعها وتأثيرها من تلميذ لآخر . وإذا حاولنا تصنيف هذه العوامل بصفة عامة ، يمكن لنا تحديد أهمها كالتالي :
أ - العوامل الجسمية : ويمكن تلخيصها في ضعف النمو أو اضطرابه أو تأخره ، الضعف العام للصحة ، تلف في بعض مناطق الدماغ ، الصرع ، إصابة الأجهزة الحسية أو الحركية ،عيوب النطق واضطراب الكلام ، تشوهات في المرحلة الجنينية ، بعض الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجا مكثفا ( العجز الكلوي ، داء السكر ...الخ ) . سوء التغذية ، الإجهاد البدني.
ب – العوامل العقلية : وأهم هذه العوامل الاستعداد العقلي الفطري العام أو الذكاء، حيث يتفق أغلب العلماء على أنه من أقوى الأسباب في إحداث التأخر الدراسي العام الذي يستعصى علاجه، فقد وجد العالم الإنجليزي 'بورت ' أن حوالي 10 بالمائة من حالات التأخر الدراسي ترجع للغباء وحده ، ويقاس الذكاء باختبارات خاصة تسمى اختبارات الذكاء، تستخلص من نتائجها نسبة الذكاء وتستخرج بحاصل قسمة العمر العقلي على العمر الزمني مضروبا في مائة, إن الناس العاديين ( أي المتوسطين) تتراوح نسبة ذكائهم بين 90 – 110 ، وإذا زادت النسبة عن هذا الحد كانت دليلا على التفوق في الذكاء (نسبة الذكاء عند الموهوبين تساوي 140 فما فوق ) وإذا قلت النسبة عن هذا الحد دلت على الغباء . بينما نسبة الذكاء لدى التلاميذ ضعاف العقول القابلين للتعليم العادي تتراوح بين 70 -85 ، وإذا قلت هذه النسبة عن 70 فهي دليل على عدم قدرة الطفل على الالتحاق بالمدرسة أصلا ، وحينئذ يجب إلحاقه بإحدى المدارس الخاصة بالمعوقين ذهنيا . ويجب عدم التسرع في الحكم على هذا التلميذ أو ذاك بأنه غبي وذلك لاعتباريين أساسيين:
ـ أولهما: وجوب التحقق من الوجود الفعلي ( بطريقة عملية ومن طرف اختصاصيين ) لمعامل الذكاء.
ـ ثانيهما: أنه ليس من الحتمي أن يكون تدني معامل الذكاء متبوعا بالتأخر الدراسي ، حيث لوحظ أن الكثير من التلاميذ الذين يوصفون بالأغبياء تمكنوا من مسايرة زملائهم العاديين ، وذلك بفضل استغلالهم الأمثل لنسبة ذكائهم المتواضعة من جهة ، وبفضل تفطن معلميهم بعدم الزج بهم في أقسام يتميز تلاميذها بارتفاع نسبة ذكائهم من جهة أخرى .
جـ - العوامل النفسية : وتتمثل في الاضطرابات العصبية المختلفة ، وعدم الاتزان الانفعالي وما ينتج عنهما من إحباط وقلق وسوء توافق وسلوك عدواني وانطواء ، فقد تؤدي هذه الحالات إلى كراهية مادة أو مواد دراسية معينة ، بل قد تؤدي إلى كراهية المعلم والمدرسة معا .
ولعله من المفيد التذكير في هذا المجال بأن الانفعال ضروري بالنسبة لكل إنسان ولكل الأعمال (على العكس مما هو شائع لدى العامة من الناس ) ؛ فالقلق كاستجابة لمثير الامتحانات المدرسية مثلا يعتبر استجابة انفعالية طبيعية عادية بل ضرورية للنجاح المدرسي ، أما القلق الشديد أو الهلع الذي يؤدي إلى ارتباك صاحبه أو تلعثمه أو عدم قدرته على الكتابة ،أو عدم القلق بتاتا أيضا أو قلته، كعدم الاكتراث بالاختبارات إنما هما تعبير عن اضطراب انفعالي يجب معالجته. بذلك نرى إن الاضطراب الانفعالي يظهر في سلوكيين متباينين: الإفراط (الزيادة) والتفريط (النقص) ، وتظهر هاتان الناحيتان في سلوك التلميذ في استجابتين متباينتين : تتمثل الاستجابة الأولى في السلوك العدواني ( الهجومي ) أما الاستجابة الثانية فتتمثل في السلوك الأنطواني ( ألانسحابي ) . هذا ويجب التنبيه إلى أن التلاميذ العدوانيين يفرضون على المعلم التدخل لمعالجة حالاتهم بطريقة مستعجلة وذلك بالجو الصاخب الذي يحدثونه داخل الصف الدراسي بمشاكساتهم ومعاكساتهم وبتعكيرهم للجو الدراسي.أما التلاميذ الانطوائيون فلا ينتبه إلى وضعيتهم إلا المعلم الخبير ؛ ذلك أن انطوائيتهم وسلبيتهم تجعلهم يبتعدون عن إحداث أي شغب فيبدون هادئين مستغرقين في أحلام اليقظة، ولا يدل على سوء توافقهم سوى انعزالهم عن رفقائهم أو نتائجهم الدراسية الهزيلة ، لذا فهم أجدر برعاية المعلم لهم والاهتمام أكثر بوضعيتهم.
د – العوامل الأسرية : وتشمل الانخفاض الكبير في المستوى الاجتماعي الاقتصادي في الأسرة، وعدم توافر الجو الثقافي فيها وكبر حجمها ، والظروف السكنية غير اللائقة ، وغياب الوالدين أو أحدهما ، واليتم ، والعلاقات الأسرية المفككة ، وأسلوب التربية المتناقص ( الأب يأمر والأم تنهى أو العكس ) والإفراط في تدليل الطفل أو رفضه أو القسوة عليه، وتفضيل جنس على آخر، والقلق الزائد على تحصيل التلميذ أو رفع مستوى طموحه إلى درجة لا تتناسب مع قدراته وإمكانياته، والإهمال واللامبالاة... الخ
هـ - العوامل المدرسية : وهي كثيرة ومتشعبة منها ما هو راجع إلى التلميذ ذاته ، ومنها ما هو راجع إلى المعلم ، ومنها ما هو راجع إلى النظام التربوي ككل ويكن اختصار البعض منها كالتالي :
عوامل متعلقة بالتلميذ : التغيب عن الدراسة لفترات طويلة ( دائمة أو متقطعة ) ، التنقل المستمر من فصل لأخر خلال العام الدراسي ، نفور التلميذ وهروبه من المدرسة ، ارتفاع مستوى طموح غير متناسب مع قدراته الفعلية.
عوامل متعلقة بالمعلم : تدني المستوى العلمي والأخلاقي والتربوي ، أسلوب القيادة التسلطي أو الفوضوي ، عدم الإدراك الواضح للأهداف التربوية ، طريقة التدريس غير المرنة ، عدم فهم خصائص الطفولة ومتطلباتها ، عدم استيعاب المنهاج التعليمي ، ضعف الدافعية والتحفيز ، الانشغال بأمور خارج التدريس .
عوامل تتعلق بالنظام التربوي : عدم وضوح أهداف التربية والتعليم ، عدم كفاءة الإشراف التربوي ، الإدارة التربوية المتسلطة أو السائبة ، عدم احترام النظام التربوي ، نظم الامتحانات غير الموضوعية ، التوجيه السيء للتلاميذ. وهذا إضافة إلى عوامل أخرى ؛ كالمحيط العام ، وجماعة الرفاق ، والجيران ...الخ.
– الإجراءات العلاجية : ويمكن تقسيمها إلى نوعين رئيسين ؛إجراءات تشخيصية وإجراءات وقائية .
الإجراءات التشخيصية :
وتشمل : الإطلاع على وضعية التلميذ العائلية ، الإطلاع على ملفه الصحي ، الإطلاع على ملفه المدرسي ، دراسة الجو المدرسي العام ، دراسة النسبة التعليمية لكل تلميذ حيث لا يجب أن تقل عن 85 بالمائة ، ملاحظة المعلم لسلوك كل تلميذ وتسجيل معلومات حول مواظبته وسلوكه...الخ.
الإجراءات الوقائية :
تنطبق على ظاهرة التأخر الدراسي الحكمة الشائعة ( الوقاية خير من العلاج ) ويمكن حصر النواحي الوقائية في :
ـ توجيه التلاميذ ذوي الضعف العقلي الكبير إلى العيادات النفسية الخاصة أو إلى المراكز النفسية التربوية .
ـ الاهتمام بالتلاميذ الموهوبين بتوفير المتطلبات الخاصة بنوع مواهبهم.
ـ الكشف المبكر عن حالات التأخر الدراسي قبل استفحالها .
ـ إجراء الاستقصاءات والاستبيانات ، وبناء اختبارات الذكاء واختبارات التحصيل المقنن.
ـ التركيز على إعداد المدرسين وخاصة من النواحي التربوية والمهنية .
علاج التأخر الدراسي :
أولا : بعض التوصيات الإرشادية والعلاجية :
1 ـ التعرف على التلاميذ المتأخرين دراسيا ـ خاصة خلال الثلاث سنوات الأولى من المرحلة الابتدائية ـ حتى يمكن اتخاذ الإجراءات الصحيحة والعلاج المبكر .
2 ـ توفير أدوات التشخيص مثل: اختبارات الذكاء ،اختبارات التحصيل المقننة، ... وغيرها .
3 ـ استقصاء جميع المعلومات الممكنة عن التلميذ المتأخر دراسياً خاصة :الذكاء، مستوى تحصيله العلمي، وآراء المدرسين والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين والأطباء إلى جانب الوالدين .
4 ـ توفير خدمات التوجيه والإرشاد العلاجي والتربوي والمهني في المدارس لعلاج المشكلات لهؤلاء التلاميذ ، إضافة إلى الاهتمام بدراسة الحالات الفردية للتلاميذ بحفظ السجلات المجمعة لهم .
5 ـ عرض حالة التلميذ على الطبيب النفسي عند الشك في وجود اضطرابات عصبية، أو إصابات بالجهاز العصبي المركزي ، وغير ذلك من الأسباب العضوية .
ثانيا : علاج التأخر الدراسي
يتم علاج مشكلة التأخر الدراسي بمشاركة كل من المدرس والمرشد النفسي والأسرة، ويمكن تلخيص أهم ملامح علاج التأخر الدراسي بما يلي:
ـ تعرف المرشد النفسي على المشكلة وأسبابها، وإقامة علاقة إرشادية في جو من الثقة والألفة، ومن ثم تبصير الطالب بمشكلته / وتنمية الدافع للتحصيل الدراسي لديه، وتشجيعه على التعديل الذاتي للسلوك، والعمل على تحسين مستوى توافقه الأسري والمدرسي والاجتماعي.
ـ مراجعة المناهج وطرق التدريس التي يتعلم بها الطالب المتأخردراسيا، وعند ثبوت عدم ملاءمتها يجب أن تعد برامج خاصة يراعي فيها خصائص الطالب المتأخر وقدراته وحاجاته، كما يجب مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ.
ـ ملء وقت الطالب المتأخر دراسيا بالأنشطة المدرسية المخطط لها والهادفة، كل حسب قدراته واهتماماته وميوله.
ـ مراعاة الدوافع المختلفة للتلاميذ المتأخرين دراسيا، والعمل على إشباعها، وتقديم الخبرات التي تساعده على تحقيق النجاح، وتجنبه الشعور بالفشل والدونية.
ـ مراعاة المراجعة والتكرار المستمر والشمول في تقديم المعلومات للطلبة المتأخرين دراسيا وربطها بواقعهم.
ـ استخدام الوسائل التعليمية المعينة والأكثر فعالية : كالأجهزة السمعية والبصرية، لما لها من أهمية خاصة في تعليم المتأخرين دراسياً ومساعدتهم على الفهم والتصور والإدراك، وكذلك لمخاطبتها الحواس المختلفة.
ـ التواصل المستمر بين الأهل والمدرسة لمتابعة الأبناء.
ـ مراجعة الأهل لدروس الأبناء بشكل مستمر لرفع مستواهم التحصيلي، والاهتمام بمتابعة وتقويم أداء