العهد الذي بيننا وبينكم
عندما هبت رياح التغيير في العديد من الدول العربية فتح الطريق أمامها للدخول في مرحلة جديدة أطلق البعض عليها " الربيع العربي " تعبيرًا عن التفاؤل بغدٍ جديدٍ في عالمنا العربي خاصةٍ وأن الشباب كانوا هم القوة المحركة لهذه الثورات .
من هنا بزغ فجر الأمل في التغيير كفعل اجتماعي يستهدف التحول نحو الأحسن والأفضل , وعندما نفكر في هذا التحول ينبغي أن نستحضر قول الحق تبارك وتعالى : " أوفوا بعهدي أوف بعهدكم " ، وقد يتساءل البعض ما علاقة " العهد " بحالة " التغيير" ، وهنا أقول : ونحن على أعتاب التغيير ينبغي أن نستلهم بعض الأفكار والمبادئ من ديننا الحنيف حتى نُخطط للمستقبل بشكل جيد , ولعل من أجل المبادئ والقيم التي يجب أن نحرص عليها في الوقت الراهن - حاكمًا ومحكومًا بل وكل مسؤول - قيمة " الوفاء بالعهد " ؛ حيث يشهد التاريخ أن أي تجمع بشرى أيًا كانت ديانته لم يكن له أن يستمر دون أن يكون بين أفراده عهد أو ميثاق .
وقد جاءت كلمة ( العهد ) في القران الكريم ( 46 ) مرة لتحمل معاني عدة منها الوصية والارتباط والالتزام والوعد ، فالحق تبارك وتعالى اخذ على النبيين عهدا وموثقا . وكان بين الرسول صل الله عليه وسلم وبين اليهود عهد . كما كان بينه وبين الأنصار عهد , وكما بيننا وبين الله عهدا يتمثل في أتباع أوامره واجتناب نواهيه .
وفى العصر الحديث وضع روسو في كتابه العقد الاجتماعي الأساس الذي تبنى عليه الدولة المدنية فرأى أن العلاقة بين الفرد والدولة تحدد وفقا لعقد اجتماعي ضمني أى غير مكتوب يحدد حقوق وواجبات طرفي العقد .
ومسالة العهد تمتد لتصل إلى الأسرة وهى وحدة بناء المجتمع , فالإسلام في تشريعاته الخاصة بالأسرة والمجتمع وضع أسس , و مبادئ , وضمن حقوقًا , واقرّ واجباتٍ لكل من قطبي الأسرة ، وهما الرجل والمرأة كي تستقيم الحياة بينهما , وبالتالي تستقيم الحياة في المجتمع بأثره
. وهذه البنود يعلمها كل المسلمون وأحيانا تكتب في عقد النكاح . وحتى في حالة الطلاق أوجب الإسلام على الرجل أن يمنح المرأة حقها وفقا لتعاليم القران وتوجيهاته .
كذلك هناك عهد بين الآباء والأبناء وبين المسلم وحيرانة وبين صاحب العمل والعامل وبين المنتج والمستهلك . ومسالة الوفاء والالتزام بالعهد وما اتفق عليه بين كل هذه الأطراف هو مؤشرٌ لنجاح واستمرار الحياة ؛ لأن العلاقات الإنسانية مبنية على أن هناك حقوقًا وواجباتٍ لكل طرف , وأن أي إخلال بالوفاء بالحقوق أو الواجبات من أي طرف إنما هو نذيرٌ بحدوث مشكلة ، إذ لا يمكن أن تؤسس علاقة بين طرفين واحدهما معطيٍ عام والآخر مستقبل عام .
ولكوني من المشتغلين بالتربية فأنى أرى أن الوفاء بالعهد والحفاظ عليه والالتزام بتنفيذه يحتاج من المربين كافة إن يقدموا بذواتهم أنموذجًا صادقا للوفاء بالعهد فكل منا عليه واجبات وله حقوق . ومن الضروري أن نعلم يقينًا أن من الواجب أن نفي بالواجبات التي علينا قبل أن نُفكر في الحصول على حقوقنا التي لنا .
وخلاصة القول تتمثل في أن علينا أن ندرك أن الوفاء بالعهد قيمة كبرى تحمل بين جنباتها قيم عدة منها المسؤولية والإخلاص والعمل والامانه والصدق والنصح للغير . والله تعالى أسال أن نكون من الذين يؤدون الأمانات ويوفون بالعهود ، والحمد لله رب العالمين .