في لقاء مع الشيخ محمد المختار الشنقيطي
المدرس بالحرم النبوي الشريف كانت هذه الأسئلة والأجوبة التي تحوي نصائح غالية للطلاب والمعلمين في الاختبارات
السؤال :
أقبلت الامتحانات فما هو المنبغي على طالب العلم فعله في هذه الأيام ؟الجواب :
أما بالنسبة لما يوصى به طلاب العلم :
فأولاً : إخلاص العمل لوجه الله عز وجل وإرادة ما عند الله عز وجل ، فإن الله عز وجل يأجر الإنسان على قدر نيته ، فلا يغلب طالب العلم نية الدنيا على الآخرة .
الأمر الثاني الذي يوصى به طالب العلم : الاعتماد على الله { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ } أن تتوكل على الله فلا تعتمد على ذكائك ولا على فهمك ولا على حفظك ولا على تحصيلك ولكن توكل على الله ، فإن الله قادر على أن يترك الإنسان وهو على أكمل ما يكون من الذكاء والحفظ حتى يدخل إلى اختباره فينسيه جميع ما حفظ ، والله على كل شيء قدير ، وربما يبتليه بمرض في بطنه أو رأسه أو جسمه فيصبح في شتات من أمره لا يستطيع أن يبلغ ما يريد ، فنحن تحت رحمة الله عز وجل، ولذلك من سعادة المؤمن دائماً إذا أردت أن تنظر إلى توفيقك الله لك في الأعمال فلا تستفتح عملاً إلا وأنت تعلق على حول الله وقوته ، وكان من دعاء النبيصلى الله عليه وسلم المأثور : (( يا حي يا قيوم ، برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله )) سبحانه فلا يصلح الشؤون إلا هو سبحانه (( أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين )) لا تكلني إلى الحفظ ولا إلى الفهم ولا إلى الذكاء ولكن على الله { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ } وقال الله في كتابه : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } أيام الاختبارات أيام صعبة وفيها هموم وغموم فالإنسان يذهب هذه الهموم والغموم بالاعتماد على الله عز وجل والتوكل على الله عز وجل وحسن الظن بالله عز وجل .
الأمر الثالث : ينبغي على طلاب العلم أن يتراحموا ، وأن يكون بينهم ما ينبغي أن يكون بين طلاب العلم بالبعد عن الأنانية والبخل بالخير على إخوانه ، فإن احتاج أخوك إلى شرح مسألة أو كتاب أو ملخص فأعطه وإياك وما يسوله الشيطان ويقول : هذا مهمل وهذا متكاسل ، لا ، من الآن تعود على الإيثار ، فلربما كانت عنده ظروف أو كانت عنده أمور ، أعطه ملخصك وانصحه ، فلذلك لا ينبغي للإنسان أن يبخل على الناس وطالب العلم الذي يبخل اليوم سيبخل غداً ، والذي فيه الأنانية اليوم فيه الأنانية غداً ، فينبغي على طالب العلم أن يوطن نفسه على الإيثار وحب الخير للناس ، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه والعلم رحم بين أهله ، فإن احتاج أخوك إلى مساعدة إلى شرح مسألة فلا تبخل ، فإن الله في عون العبد ما كان في عون أخيه .
الأمر الرابع : البعد عن المحرمات : الغش في الاختبار ، كذلك من الأمور التي يحرم ؛ لأن الغش في الاختبار يعتبر كبيرة من الكبائر ولاشك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من غشنا فليس منا )) ولأنه يفضي إلى استباحة الأمور المحرمة ؛ لأن الإنسان ينال شهادة مزورة فهو ليس بأهل لهذه الشهادة ، بل قال بعض العلماء : يشتبه في رزقه إلا أن يتوب فيتوب الله عليه ، ولذلك ينظر فإن الإنسان إذا نال الشهادة بالزور وبالغش- والعياذ بالله- محق الله أقل ما يكون يمحق الله بركة ماله ، ولذلك تجده يأخذ من المال الكثير وليست فيه بركة ، ولو تاب ؛ لتاب الله عليه ولكن يصلح من حاله .
الأمر الخامس الذي ينبه عليه : تعظيم شعائر الله عز وجل ، فإن الطلاب في الاختبارات ربما يرمون الأوراق وربما يقطعون أوراق القرآن والمصاحف ، وربما يمتهنون بعض الكتب ، بعض الطلاب-أصلحهم الله- يفعلون هذا ، فينبغي التناصح في هذا الأمر ، لا يجوز امتهان كتاب الله ، ولا تمزيق أوراق المصحف ، وكذلك لا يجوز امتهانها بوضعها في الطرقات والوطء عليها بالأقدام ، ولذلك يخشى على الإنسان إذا رمى بورقة فاستخف بها فوطئ عليها أحد أن يكون عليه وزره ؛ لأنه هو السبب ، والتسبب في الأشياء يوجب ضمانها ما نشأ عنها ، فلذلك من يتسبب في امتهان كتبه وأوراقه بمجرد أن ينتهي من اختباره يرمي بها هنا وهناك أو يضعها في مكان تعبث بها الرياح ، فهذا لا يجوز فينبغي التناصح في هذا الأمر.
كذلك - أيضاً - أوصي بوصية ينبغي التنبه لها : وهي حقوق الأبناء في مثل هذه الأيام ، فهي كلمة للآباء والأمهات أن يتقوا الله في الأبناء والبنات ، فإن أيام الاختبار أيام عصيبة يكون فيها الطلاب في هم وغم فينبغي الرفق بهم والتوسعة عليهم ، وإعانتهم وتيسير الأمور لهم ، وتقوية صلتهم بالله عز وجل ، وغير ذلك من الأمور التي ينبغي أن يسديها الوالدان إلى الولد في مثل هذه الأمور أو مثل هذه المواقف ، وينبغي القيام بالواجب والمسؤولية ، بعض الآباء لا يهمه أن يضبط ابنه العلم أو لا يضبطه ، والله سائله عن ضبط ابنك للعلم ؛ لأن تعلم الابن ومعرفته بأمور دينه وما يتصل بها من الأمور التي يحتاجها لحياته أمر مطلوب ، فينبغي شحذ همم الأبناء والبنات وإعانتهم ومراجعتهم وتيسير الأمور التي تعينهم على الخير وبلوغهم لأفضل الغايات لأن هذا من النصيحة ، فإن من نصحك لولدك قيامك عليه على هذا الوجه الذي يرضي الله عز وجل .
والكلمة الأخيرة إلى من ابتلاه الله بالتدريس : فأسأل الله العظيم أن يشكر سعيكم ، وأن يعظم أجركم ، وأن يجزيكم على أبناء المسلمين وبناتهم كل خير ، فنعم ما يصنعه المعلم من كلمات طيبة وقد انتهى الآن نصف العام وولى ، فأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل ، فلا يعلم مقدار ما يبذله المعلم والموجه لمن يعلمه إلا الله عز وجل ، فالله أعلم كم تمر عليه من ساعات هم وغم ولو كان يُعَلِّمُ شيئاً من أمور الدنيا ، فإن المسلمين بحاجة إلى طبيب ، وبحاجة إلى مهندس ، بحاجة إلى كل من يسد ثغور الإسلام ولو كانت في أمور الدنيا ما لم تكن محرمة ، فالمعلم بقيامه بهذه المسؤولية على خير وهو مأجور عند الله عز وجل ، فنسأل الله أن يتقبل منا ومنكم .
والوصية التي يوصون بها : الرفق بالطلاب ، وإحسان الظن بهم ، وعدم التشويش عليهم ، وعدم التضييق عليهم ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اللهم من ولي من أمور أمتي شيئًا فرفق بهم فاللهم ارفق به ، ومن ولي من أمور أمتي شيئًا فشق عليهم فاللهم اشقق عليه )) بعض المدرسين يأتي بأسئلة تعجيزية ، وبعضهم يحاول أن يضيق على الطلاب ، وكأن الاختبار شيءٌ من المنافسة والأذية والإضرار ، وهذا لا يجوز ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( لا ضرر ولا ضرار )) . رفقًا رفقًا بأبناء المسلمين وبناتهم ، ولنتق الله في هذا الابن الذي يأتيك موتر الأعصاب شارد الذهن مهمومًا مغمومًا مكروبًا ، ولربما يسهر ليله ويتعب نفسه ، فينبغي الرفق بمثل هؤلاء خاصة وأنهم ذرية ضعيفة ، فإن الله سمى الأطفال خاصة صغار السن سماهم ذرية ضعيفة ، فمثل هؤلاء يرفق بهم وعدم التشويش عليهم ، وأيضًا عدم سبهم وشتمهم واحتقارهم . بعض المعلمين إذا رأى التقصير من الطالب سبه وشتمه وأهانه بل ربما ضيق عليه ، ربما يخرج هذا الطالب بهمّ وغم يبقى معه دهره كله ، ولربما يصاب بمرض في نفسه أو في عقله ، وهذا لا يجوز لا ينبغي هذا ، هؤلاء أمانة والله سائلنا عنهم ، فينبغي الرفق بهم والإحسان إليهم وأخذهم بالتي هي أحسن ، وإذا كنت في المدرسة ورأيت من يشدد فذكره بالله عز وجل وذكره أن حوله بحول الله وأن قوته بقوة الله عز وجل ، ولذلك لما ضرب أبو مسعود- وأرضاه- أغضبه غلامه وهو يملكه ملك اليمين ، قال : أغضبني فضربته ضرباً شديداً فسمعت صوتاً من ورائي لم أستطع أن أتبينه من شدة الغضب ، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : (( اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام )) . اعلم أبا مسعود أن الله قادر عليك ، اتق الله في هذا الضعيف ، فلذلك ينبغي أن يتقي الله الإنسان في أبناء المسلمين وبناتهم ، هؤلاء أمانة ينبغي أن نعيش نفسياتهم والضيق الذي هم فيه والكرب ، فإن الله عز وجل يرحم من عباده الرحماء ، وفي الحديث : (( من لا يَرحم لا يُرحم )) نعم ، لا نسوي بين الخامل وبين المجد ، يستطيع المدرس الموفق الناجح أن يعطي كل ذي حق حقه ، وأن يزن بالقسطاس المستقيم هذا لاشك ، لكن بطريقة ليس فيها إضرار بأمثال هؤلاء الضعفة ،ينبغي الإحسان إليهم .
أيضًا الشدة المبالغة فيها تنفر ولو كان المعلم يدرس أفضل العلوم ، وأفضلها وأحسنها فإنها تنفر ، ولربما يكره بعض الطلاب كتاب الله عز وجل -والعياذ بالله- لصغرهم وجهلهم بسبب الأذية والإضرار ، ينبغي تهيئة ما يعين الطلاب على بلوغ هذه الغايات الطيبة .
ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجيرنا وإياكم من امتحان الآخرة ، فينبغي علينا أن نتذكر في مثل هذه المواقف حينما يدخل الطالب إلى الاختبار وقد هيئت له الأمور فكيف إذا قدم على الله عز وجل في يوم تشخص فيه الأبصار ، ولاشك أن الإنسان الموفق من فكرة إلى فكرة ومن عبرة إلى عبرة ، فاختبار الدنيا يذكر باختبار الآخرة ، ويا للعجب أن تجد الآباء والأمهات مشفقين على الأبناء والبنات وهم يذهبون إلى الاختبارات والأكف ترفع بالدعوات ولا يبالي الأب بابنه حينما يصير إلى الله-جل وعلا- في الامتحان الأكبر ، ومن منا سأل الله لنفسه وأولاده أن يجيره الله من عذاب الآخرة ، فإن الامتحان كل الامتحان الآخرة هنا إذا لم ينجح ينجح في دور ثان ، ولكن هناك إذا فرق بين الأب وابنه فراقًا لا لقاء بعده أبدًا { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }
ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجيرنا من هول يوم الوعيد ، وأن يؤمننا من سطوة ذلك اليوم الشديد ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وأن يتقبل منا ومنكم صالح العمل إنه ولي ذلك والقادر عليه