أهمية التعليم في بناء الدولة اليمنية الحديثة
التعليم هو المقوم الأساسي في نهضة الشعوب وبناء الدول والوسيلة إلى بلوغ الأهداف الروحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وإحراز التقدم العلمي والتكنولوجي، ولما للتعليم من أهمية فإن الدول الحريصة على النهوض والتقدم تجعل قضية التعليم على رأس سلم اهتماماتها، وتعتبره استثماراً طويل الأجل بل إن الدول الحديثة تنظر إلى التعليم على أنه أهم القضايا الوطنية إدراكاً منها أن التعليم هو المفتاح الحقيقي لنهضتها.
وإذا كان التعليم يحتل هذه المكانة لدى الدول فإنه بالنسبة لنا نحن اليمنيين أكثر أهمية من غيرنا نظراً للتركة الثقيلة من الجهل والتخلف التي خلفتها لنا العهود الماضية ولكن للأسف الشديد ان التعليم في اليمن يعاني من تدهور بسبب الوضع الاقتصادي المتردي وبسبب عوامل أخرى منها حالة اليأس والإحباط التي أصابت الطلاب في مختلف المراحل من عدم حصولهم على وظائف بعد التخرج وشعورهم بعدم جدوى التعليم لأنه لم يعد ضماناً للمستقبل الأفضل، هذا الوضع خلق حالة من التردي في المستوى التعليمي، كما أن عدم الانضباط من قبل المدراء والمدرسين في المدارس وعدم التفاني والإخلاص من قبل المعلمين زاد من تدهور وانحطاط التعليم، يضاف إلى ذلك اختفاء مظاهر الانضباط والقدسية للتعليم بين أوساط الطلبة حيث أصبح التغيب عن الدوام حدثاً روتينياً يتكرر يومياً دونما رقابة، فضلاً عن انخفاض جودة المناهج التعليمية وخاصة في المواد العلمية، وأصبحت ظاهرة الغش في الامتحانات متفشية، فالمدرسون هم من يلقنون الطلبة الإجابات وبهذا أصبحت المدارس تخرِّج شبه أميين على حد تعبير العديد من الباحثين في إشكالية تدني المستوى في مخرجات المدارس العامة.
والحقيقة أن التعليم في اليمن يواجه العديد من المشكلات برغم التوسع الكمي في عدد المدارس وعدد الطلاب والطالبات في مراحل التعليم المختلفة وهذه المشكلات هي:
• انخفاض معدلات التحاق الأطفال في سن التعليم، حيث لا يزال النظام التعليمي غير قادر على استيعاب جميع الأطفال في سن التعليم .
• ارتفاع نسبة التسرب من التعليم، إن من مظاهر قوة وجودة النظام التعليمي محافظته على استمرار الطالب في دراسته حتى يكمل المراحل الدراسية التي تؤهله للحياة، ويأتي هذا التسرب بطبيعة الحال بسبب ترك الطالب المدرسة لأسباب عديدة ذكرناها آنفاً وطبقاً للمصادر الرسمية فإن طلاب الصف التاسع يمثلون 26,8 % إلى الصف الأول تقريباً.
• قلة المعلين الأكفاء حيث يعد المعلم الكفؤ حجر الزاوية في العملية التعليمية والتربوية وبهذا الخصوص يمكن القول إن نسبة كبيرة من معلمي الصفوف الأولى يحملون مؤهلات متدنية (إعدادية، ثانوية) وجميع هذه الفئات التي تعمل في هذه المرحلة المهمة وهي مرحلة الأساس ويجب رفع كفاءة هؤلاء للارتقاء بمستواهم العلمي والمهني.
• عدم تناسب المناهج مع الواقع الراهن فمن الملاحظ أن المناهج الحالية لا تتناسب وحقيقة المتغيرات الجديدة التي شهدتها اليمن ولاسيما المتغيرات السياسية المتمثلة بتبني التعددية السياسية والحزبية، حيث يفترض في ظل هذه المتغيرات أن ترسخ المناهج قيم الديمقراطية والتسامح وحرية الرأي والتعبير لكن هذه المفردات ما زالت شبه غائبة.
• قصور الإدارة المدرسية.. يلاحظ في بلادنا كل جوانب التقصير في الإدارة المدرسية، حيث الكثير من المدارس من دون مدير أو مدير غائب مشغول بأمور أخرى لا يدري ما الذي يجري في المدرسة، فضلاً عن عدم وجود الوكيل والسكرتير، ولنا أن نتخيل أي تعليم وأي نظام وأي منهج يطبق في مدرسة ليس لها من يديرها ويوفر متطلباتها ويشرف على مدرسيها.
أما فيما يخص انتشار الأمية التي أصبحت ظاهرة اجتماعية في المجتمع اليمني وأصبحت من الشهرة بحيث يتحدث عنها المسئولون والمثقفون والعامة في كل مناسبة، وتعتبر الأمية في اليمن بأنها حضانة لمشكلات ومعوقات كثيرة تقف أمام تطور المجتمع وتعيق تحسين الأوضاع المعيشية وتشير دراسة أجراها معهد الميثاق إلى أن نسبة الأمية في اليمن لا تزال من أعلى النسب في العالم، إذ تصل نسبة الأمية بين الذكور إلى نحو 37 % وبين الإناث إلى نحو 76 % والمتوسط لكلا الجنسين 55 %، وما يزيد من مشكلة الأمية هو عدم قدرة النظام التعليمي على استيعاب جميع الأطفال في سن التعليم وذلك يضيف إلى صفوف الأمية كل عام أعداداً جديدة وبرغم انه قد تم تبني حملات لمحو الأمية قبل وبعد تحقيق الوحدة اليمنية، إلا أن الجهود بهذا الخصوص ما زالت متواضعة إذ لا يمكن لوزارة التربية وحدها القضاء على الأمية، وإنما يتطلب الأمر تعاوناً وتوجهاً شاملاً من كل الجهات المعنية، لأن الأمية مشكلة كبيرة تترك آثاراً سلبية اجتماعية ودينية وثقافية تؤثر على كل مجالات الحياة . . ان تدني مستوى التعليم وتفشي ظاهرة الأمية يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق مشروع بناء الدولة اليمنية الحديثة، إذ أنه من الصعب بناء دولة مدنية حديثة يسودها النظام والقانون في ظل مجتمع يفتقر إلى العلم والوعي الثقافي والحياة المدنية.