خلل العبادة في ظل استحكام العادة
=-=-=
أخي المؤمن أثناء أدائك للعبادة حاول أن تجعل لها معنىً خاصًا بك..حاول أن ترسم لها صورة جميلة تحدد فيها ما الذي تريد أن تحدثه هذه العبادة في نفسك وواقعك..لا تصل لأن الناس يصلون أو تصوم لان الناس صاموا.. فإذا فعلت ذلك فما هو حال الصورة التي رسمتها ؟ هل هي جميلة ورائعة على قيمة الإحسان في عبادتك أم أنها غير ذلك ؟
وهنا يأتي سؤال يقول : كيف يمكن أن تتحول عباداتنا إلى عادات ؟
وحتى تتضح الإجابة نُشير إلى أن المجتمعات تحتفي بعاداتها وعباداتها على حدٍ سواء ، فيفخر الناس بممارستهم لعاداتهم كما يهتمون بأداء عباداتهم ؛ فإن كانت العادة هي ما تكرر من سلوكيات سواءً على المستوى الفردي أو الاجتماعي حتى تصبح تلك السلوكيات والممارسات أمرًا مسلمًا به ، نمارسه بطريقة تلقائية . وقد أطلق عليها ابن خلدون ( القيد الأكبر) ، وهذا فيه دلالة على أن العادة تجعل من يمارسها ينصهر في بوتقتها مما قد لا يجعله يفكر في إعادة النظر فيها أو تغييرها ، فهي تحمل معاني ( الانقياد والامتثال والطاعة العمياء التي تجعل الفرد لا يستخدم عقله ) ، وذلك ينم عن الجهل الذي يصحب ممارستنا لكثير من العادات .
إن كانت العادة كذلك فان العبادة تحمل معنى جميلاً جدًا ، وهي القربة والتذلل لله سبحانه وتعالى بمختلف الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، لذلك فإن دورها لا ينحصر فقط في أداء بعض الشعائر من ( صلاة ، وصيام ، وزكاة ، ...الخ ) ، بل يعطيها المفهوم السابق معنى اكبر ، وتأثيرًا أكثر في واقع حياة الناس .. ونحن عندما نقوم بأداء العبادات كان لزامًا علينا أن نستحضر العقل والقلب معًا ، ونتدبر في تفاصيلها حتى تحقق الغرض المرجو منها .
إن ما يمكن أن يجمع مفهومي العادة والعبادة هو صفة القداسة ، فهما يعتبران خطوطا حمراء لا يجوز لأيٍ كان أن يتعدى على حرمتهما .. مع اختلاف مصدريهما ؛ فالعبادة مصدرها الوحي ، والعادة مصدرها العرف الاجتماعي مع أن البعض يعتقد أن هناك عاداتٍ لها أصلٌ في الشريعة .
إن ذلك الامتزاج بين العادة والعبادة والتشابه في بعض التفاصيل قد يجعل رؤيتنا لهما يشوبها نوع من التشويه سواءً على مستوى القول أو الفعل والممارسة ، فهل هناك خلط في واقع حياتنا بين المفهومين ؟
وكيف نؤدي عباداتنا ؟
هل ننزل بها إلى مستوى العادة ونؤديها بطريقة آلية أم أننا نفقه معناها جيدًا ونرتقي بها إلى مستويات الإحسان والكمال ؟؟
وحتى نتمكن من الإجابة على تلكم التساؤلات علينا أن نرجع غلى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى نستلهم المعنى الحقيقي للعبادة ؛ فإذا رجعنا إلى هديه عليه الصلاة والسلام سنجده حافلا بالكثير من الأحاديث الشريفة التي لا تحصر مفهوم العبادة في مجرد الطقوس ، بل إن العبادة قد ينحصر دورها وتحول صاحبها من مأجور إلى مأزور إذا كانت لم تحدث أثرًا في النفس ، وأثرًا في الآخرين من خلال حسن التعامل معهم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتتصدق وتؤذي جيرانها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هي في النار ) .
فالخيرية في العبادة لا تظهر في القيام بها فقط ، بل في حسن التعامل مع الآخر . وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به ، فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه ) . فليس الهدف الأسمى من الصيام أن ينالنا نصيبٌ من الجوع والعطش ، وإنما أن نمتنع عن الزور قولا وفعلا .
فلماذا نرى أننا في واقع حياتنا اليوم قد فقدنا ذلك التآلف بين القول والفعل ؟
ولماذا فصلنا بين عباداتنا ومعاملاتنا ؟
ولماذا تحولت عباداتنا إلى مجرد عادات ؟
إنها مجموعةٌ من التساؤلات التي تحتاج منا إلى تأملٍ وتفكُّر . ولكنني أختم بالتنبيه على مجوعةٍ من النقاط ذات العلاقة الوثيقة بهذا الموضوع ، وهي :
- أننا في واقعنا قد تعودنا على أداء العبادات ، والتعود على الشيء يجعله يؤديه دون النظر في حقيقته ، وهذا يعني أننا لا نعرف فقه العبادة والغرض منها ، ومن ثم فإن الجهل بالشيء يجعل الإنسان يُسيء ممارسته ، وحصرها في طقوس وحركات معينة فلا يتحقق أثرها ودروها التربوي والاجتماعي .
- استحكام الرقابة الاجتماعية في واقعنا الاجتماعي وسلوكياتنا ؛ الأمر الذي ترتب عليه أداء بعض العبادات لإرضاء المجتمع فقط أو خوفًا مما قد يقوله الآخرون إذا قصر الفرد في ذلك ، وهذا للأسف يقضي على صفةٍ أساسيةٍ في العبادة ويجردها منها وهي صفة الإخلاص الذي نعلم جميعًا أنه متى تحقق في عباداتنا فإننا يُمكن أن نبلغ به مراتب الصديقين والصالحين .
- تشويه معنى العبادة في واقعنا نتيجةً لسوء تصرفنا وتعاملنا السيئ مع الآخر.
وختامًا اقول : إن على المؤمن أن يُميز عبادته عن عادته ، وأن ينظر إلى فعلها وأثرها في نفسه وفي تعامله مع الآخرين ، فإذا سكنت جوارح الإنسان في العبادة واستشعر قيمتها ومعناها ولامست شغاف قلبه حتى تجعله يسبح في لذة المناجاة ؛ فإنها حينئذٍ ستحدث أثرًا إيجابيًا في الجسم والنفس ، وتتجلى تلك الايجابية في حسن التعامل مع الآخرين ، والله الهادي إلى سواء السبيل .